أمر طبيعى أن تصدر السفارات الأمريكية والبريطانية والكندية تحذيرات لرعاياها بالقاهرة، بأن يأخذوا حذرهم وألا يخرجوا للشوارع يوم التاسع من أكتوبر الذى وافق أمس الأحد، فهذه الدول حتى الآن غير مقتنعة بما تحقق فى مصر، وكل أملها أن تعود مصر إلى ما قبل 30 يونيو 2013، وقت أن كانت خاضعة لحكم الفاشية الإخوانية.
مازالت بعض العواصم الغربية عند موقفها الرافض للوضع المصرى الحالى، ويحاولون بشتى الطرق إفشالها، حتى وإن لجئوا لبيانات تحذيرية كاذبة تهدف إلى إثارة البلبلة فى الشارع المصرى، والإيحاء للخارج بأن مصر غير مستقرة، وأن الحياة فيها غير آمنة، آخذاً فى الاعتبار توقيت صدور هذه التحذيرات التى جاءت متزامنة مع استضافة شرم الشيخ لاحتفال مصر بمرور 150 عاما على تأسيس البرلمان الذى يعد الأعرق والأقدم فى العالم، وهى الاحتفالية التى تشهد مشاركة من جميع دول العالم الموجودين حالياً فى شرم الشيخ، ويرون بأعينهم مستوى الأمن الذى وصلت إليه مصر.
كما لا يخشى على أحد أن هذه التحذيرات جاءت متواكبة مع الانفراجة التى تشهدها المفاوضات المصرية الروسية بشأن عودة السياح الروس إلى مصر مرة أخرى، بعد تعليق الرحلات الجوية بين البلدين نتيجة سقوط الطائرة الروسية فى سيناء قبل عام، وكأن سفارات هذه الدول تريد أن تجبر المسؤولين الروس على التراجع عن مفاوضاتهم مع المصريين بشأن عودة السياحة.
كما لا يخشى على أحد أن هذه التصريحات جاءت فى وقت تشهد فيه العاصمة الأمريكية واشنطن استكمالا للتفاوض المصرى مع صندوق النقد الدولى، لإتمام إجراءات الحصول على قرض من الصندوق بقيمة 12 مليار دولار، وهو القرض الذى لا تكمن قيمته فى الرقم، بل لكونه شهادة من المؤسسة الدولية بأن الأجواء فى مصر أصبحت مهيأة بشكل أفضل لاستقبال الاستثمارات الأجنبية.
بكل تأكيد أن كل هذه الأمور التى تحدث فى مصر تغضب بعض الدول التى لا يعجبها أن تكون مصر دولة مستقرة وتحقق كل احتياجات المصريين، لذلك لن يكون مستغرباً بالنسبة لى أن نستمع لتحذيرات أخرى كثيرة سواء من الدول الثلاثة نفسها أو من دول أخرى ستدخل قائمة المحذرين، لأن الوضع بالنسبة لهذه الدول أصبح خارجا عن السيطرة، فهم يريدون مصر تحت سيطرتهم.
القضية بالنسبة لى هى أكبر من مجرد تحذير اعتدنا عليه خلال السنوات الماضية، لأنه حتى وإن سلمنا بحق هذه الدول فى توفير الحماية لرعاياهم المقيمين فى مصر كلها وليس فى القاهرة فقط، ألم يكن أولى بهذه الدول إذا كانت تمتلك بالفعل معلومات عن مخططات لتنفيذ عمليات إرهابية أو ما شابهها أن تبلغها للسلطات الأمنية المصرية، أم أن هذه المعلومات أن صح وجودها فعلاً هى حكر على هذه الدول، وأعود بالذاكرة لموقف حدث قبل عامين حينما أغلقت السفارة البريطانية فى القاهرة أبوابها «لأسباب أمنية»، دون أن تذكر السفارة أى تفاصيل حول طبيعة الأسباب الأمنية، وظلت أبواب السفارة مغلقة لعدة أسابيع قبل أن تعاود العمل من جديد دون أن نصل إلى معلومة محددة حول ماهية هذه الأسباب التى دفعت السفارة، لاتخاذ هذا القرار الذى صدر صورة سلبية للغاية عن الوضع الأمنى فى مصر.
نحن تعودنا على مثل هذه التصرفات غير المعقولة وغير المقبولة أيضاً من جانب عدد من السفارات الغربية غير بريئة الهدف أيضاً، وأعتقد أننا سنظل نواجه هذه التصرفات لسنوات مقبلة، حتى تقتنع هذه الدول بأن الوضع فى مصر بالفعل تغير، وليس من المأمول أن تعود مصر إلى الفاشية الإخوانية مرة أخرى.