بوتين يستعيد بسرعة قوة الدب الروسى، ولم تعد بلاده تلك الكعكة الطرية التى مزقها جوباتشوف، فاستساغ الغرب مذاق ضعفها، ويواجه غرور واشنطون بحسم وحزم، ولم يسكت على وقاحة وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى، الذى دعا إلى فتح تحقيق دولى، حول احتمالية ارتكاب روسيا ونظام بشار الأسد، جرائم حرب فى سوريا، فردت موسكو بدعوة الشعب الروسى، إلى استفتاء قومى للتصويت على وقف الاتصالات الدبلوماسية مع واشنطون.
لم تأت روسيا إلى سوريا، كما يردد البعض، لتلعب الدور الذى رسمته لها واشنطون، فبوتين رجل المخابرات القوى، اكثر من يعلم من هى واشنطون، واكتوى بنارها حين كان مسؤولا عن جهاز استخبارات بلاده، إبان الحرب فى أفغانستان التى خرجت منها بخسائر فادحة، ويستخدم المخزون الاستراتيجى لخبراته فى إدارة الوضع فى سوريا، ونجح بذكاء فى إجبار واشنطون على تغيير موقفها من حليفه بشار الأسد، فبعد أن كانت ترهن مصير التسوية الدبلوماسية برحيله، وتراه شخصية بغيضة وتغطى الدماء يديه، أصبحت خطة أمريكا البديلة هى التخلى عن محاولة الإطاحة بالأسد.
لعبة الابتزاز التى تمارسها واشنطون مع الآخرين لم تنفع مع بوتين، وفتحت وسائل الإعلام الروسية ملف جرائم الحرب وقتل المدنيين على يد القوات الأمريكية، وتحولت المواجهة إلى لعبة «رست»، يحاول كل طرف فيها تفتيت عضلات الآخر، ويستخدمان ورقة التسوية الدبلوماسية بشكل مخادع ومغاير للحقيقة.
نزول موسكو إلى الشرق الدافئ، يسهم فى إصلاح توازن القوى المختل، ويكبح الرغبة الأمريكية لتكرار نموذج العراق فى سوريا، بعد أن جاءت رافعة شعار الإطاحة بالأسد وأن يلقى مصير صدام، وهدم دولته وإبادة جيشه، وبالمرة «زغزغة» داعش وجبهة النصرة بغارات وهمية لا تقتل ولا تميت، بعكس روسيا التى تدعم حليفها بشار الأسد، وتراه حاجزا يحد من انتشار التطرف الأسلامى، وداعما للمصالح الروسية فى المنطقة.
روسيا عادت إلى الشرق الأوسط لتبقى وليس لترحل، وبوتين يتفادى أخطاء حكام الكرملين السابقين، ويمتلك خبرات السياسيين ودهاء رجال المخابرات، ويعرف كيف يلاعب واشنطون، ويختار الأسلوب والوقت المناسبين، وعندما استخدمت واشنطون عضلاتها، ونشرت صواريخ كروز لمنع الطيران السورى من توجيه ضربات لخصومه، سارعت موسكو بنشر صواريخ S-300، التى تستطيع اعتراض صواريخ كروز، وتعقد الموقف فى مسرح العمليات بدرجة كبيرة، والقادم ينذر بمواجهات خطيرة.