يحتفظ العقل الباطن للإنسان، بملفات عن كل شىء فى الكون، وهى ما تسمى بـ«الصورة الذهنية»، حينما يسمع بأى منها، يبادر إلى استدعائها على الفور أمامه، وفق رؤيته الداخلية التى كونها مسبقًا عنها، فإذا ذكر اسم النبى - صلى الله عليه وسلم- استدعى أهم الصفات التى يحبها فيه.. لكن ماذا عن نظرتك إلى الخالق؟
تشويه الدين: خلال المائة سنة الأخيرة، تم تقديم الدين للناس بطريقة مشوهة، صورت لنا ربنا على أنه بعيد شديد البعد عنا وعن حياتنا، ربطت بينه وبين التخويف والتشديد.. جعلوا الأصل فى علاقته معنا الشدة والخوف والغضب.. جعلونا نخاف منه ومن غضبه ومن عذابه أضعاف أضعاف حبه ووده ورحمته وحنانه علينا.. زعموا أنه لايحقق الأمنيات بل يقهرنا على ما لانريد.
قدموه لنا على أنه بعيد عن مشاعرنا وأحاسيسنا واحتياجاتنا، فصارت الصورة الذهنية عن الله هى: البعد، الخوف، القهر.. وما ذلك إلا من ظنون الجاهلية التى ذمها فى كتابه العزيز.. «يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ».. فكانت النتيجة هروب الملايين من التدين.. أو خروج قساة عنيفين متطرفين.. فقدوا حلاوة حب الله، لأن التخويف يقتل جمال المعاملة مع الله.
لابد أن نغير الصورة الذهنية عن الله، لابد أن نعرفه كما يريد هو أن نعرفه، وليس كما تريد عقول مريضة أن تقدمه لنا.. لابد من ثورة فى عقولنا وفى نظرتنا لربنا، وأن ننشرها بين الناس، خاصة الأطفال والشباب.. فالله هو الرحيم الحنون الودود.. سخر لك الكون لأنه يحبك ولايريد منك شيئًا.. حب الله أوجدنا ولولا الحب لما كنا.. الرحمة والحب هما الأصل وليس الخوف.
تصحيح الصورة: أول صورة لابد من تصحيحها هى أن ربنا القريب وليس البعيد.. من أسمائه الحسنى القريب، فالله تعالى يقول: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ».. يُسأل الإمام أحمد بن حنبل: كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ وهل هى مسافة كبيرة جدًا؟ فقال: لا، هو القريب.. بيننا وبين عرش الرحمن دعوة مخلصة من قلب صادق.. وهو القائل فى الحديث القدسى: «من تقرب إلىَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا». يوم القيامة يقول لك الحق سبحانه: «ادن ياعبد منى»، فيقترب ويرخى عليك ستره فلايسمعك أحد ولايسمع فضيحتك أحد.. أتذكر ذنبك ذا؟ نعم يا رب. سترتها عليك فى الدنيا، وها أنا أسترها عليك اليوم. إنه القريب. آسيا زوجة فرعون علمت بقرب الله منها، لم تمنعها قصور فرعون ولا الحراس من أن تتوجه للقريب وتسأله «رب ابنِ لى عندك بيت فى الجنة».. قبل أن تسأل عن النعمة سألت عنه هو «المنعم». جاء أعرابى إلى النبى -صلى الله عليه وسلم -فقال: يا رسول الله أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه، فلم يرد النبى، ونزل قول الله تعالى «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ...» كان سهلاً على الرسول أن يجيب السؤال، لكنه لم يجب لأن هذا السؤال لا يجيب عنه إلا الله سبحانه وتعالى، لكى تعرف أن العلاقة مباشرة منك إليه ومنه إليك.
حسن الظن بالله: ربنا الذى يحقق أمانينا ولا يقهرنا على ما لا نريد.. الذى يحقق الأمنيات.. على قدر حسن ظنك بالله يحدث لك الخير ويبتعد عنك الشر.. «أنا عند ظن عبدى بى فليظن عبدى بى ما شاء».. النبى صورة معاملة الله لنا بصورة الأم: «أترون هذه الأم تلقى ولدها فى النار؟ فالله أرحم بكم من هذه الأم بولدها». تأمل وعود الله ستجدها كلها حنان: «لئن شكرتم لأزيدنكم»، «ادعونى استجب لكم»، «فاذكرونى أذكركم».. كلها وعود جميلة.. كل وعود الله فى القرآن «الذين آمنوا وعملوا الصالحات..» كلها جنة وسعادة.. لاتستجِب للشيطان فهو هدفه الحزن والهم والغم.. «الشيطان يعدكم الفقر»، والله يقول: «لا خوف عليهم ولاهم يحزنون».
وأخيرًا: فهذه ليست دعوة لعدم العمل.. بل على العكس، فالمعرفة الصحيحة بالله تدفع لمزيد من العمل والجهد، لأنى لست محبطًا بل واثقًا من الإجابة.. وإجابة الدعاء شرطه العمل «أمن يجيب المضطر إذا دعاه»، المضطر الذى بذل كل جهده.. «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب.. فليستجيبوا لى» بالإيمان والعمل.