أتابع أغلب التغطيات الإعلامية فى الداخل والخارج عن تهديدات الإخوان بتفجير ثورة غلابة فى 11/11 المقبل، وأستطيع أن أقول إن هناك مبالغات غريبة يحركها فريقان، الأول أصحاب النوايا الحسنة من عينة الدبة التى قتلت صاحبها، والفريق الثانى من الإخوان وأنصارهم، الفريق الأول هو الأهم، لأنه ينشر ويبث رسائله الإعلامية من صحف وقنوات مصرية ومواقع إلكترونية تعمل فى الداخل وتؤثر فى قطاعات واسعة من الجمهور.
التغطية الإعلامية للدببة تتحدث كثيراً عن الفشل المتوقع لدعوة الإخوان للتظاهر أو الثورة فى 11/11، كما تهاجم انتهازية الإخوان ومحاولتهم استغلال ارتفاع الأسعار للقضاء على الاستقرار والإساءة لصورة مصر فى الخارج، وتدعو المواطنين لعدم الاستجابة أو الانسياق لدعوات الإخوان الهدامة.. وكل ذلك صحيح ومنطقى، ولكن يجب أن يقدمه الإعلام للناس بجرعات أقل، وبأساليب متنوعة عوضا عن أسلوب المذيع الخطيب، أو الداعية الذى يتحدث إلى الناس عبر الشاشة ويقدم فتاواه فى كل شىء، وعن أى شىء.
أيضا فإن كثرة الحديث عن موضوع واحد وبأساليب متشابهة ومكررة تؤدى إلى نوع من الملل وعدم الاهتمام، كما تؤدى إلى نتائج غير متوقعة، وربما إلى تحقيق أهداف عكسية، منها أن الجمهور سيقدر الحدث الذى يحظى بكل هذا الاهتمام الإعلامى بدرجة أكبر من حجمه، ومن ثم قد يخشى من الخروج إلى الشارع فى 11/11، أى يتحول الاهتمام المبالغ به للحدث إلى نوع من التخويف للناس.. وقد حدث ذلك فى عدة مناسبات خلال سنوات الثورة وحتى أيام حكم مبارك، حيث كان التضخيم الإعلامى فى تحذير الناس من الدعوة لإضراب 6 أبريل 2008 أحد أسباب نجاحه، حيث فضل كثير من المواطنين عدم إرسال أولادهم للمدارس أو الخروج من البيت.
والمبالغات الإعلامية لا تؤدى إلى سوء فهم أو تقدير المواطنين للحدث، بل أحياناً تربك حسابات الأمن ورجال الحكومة، وتخلق ضغوطاً غير مرئية عليهم، ومن ثم على عملية صنع القرار، لكن الأكثر غرابة فى الآثار غير المتوقعة للمبالغات الإعلامية أمرين: الأول أنها قد تؤدى إلى تعاطف البعض مع دعوة الإخوان أو دفعهم للاهتمام بالتعرف عليها من خلال وسائل إعلامية أخرى أو من خلال السوشيال ميديا، وذلك وفق آلية التعاطف مع الضحية، أو الممنوع مرغوب.
والثانى أن التغطيات الإعلامية المبالغ فيها تخلق ضغوطاً على الإعلام نفسه والعاملين فيه، بمعنى أنهم من كثرة تناولهم للموضوع وتحذيرهم للناس فإن الإعلاميين سيصدقون أنفسهم، ويتعاملون مع أى تغطيات عن 11/11 على أنه حدث كبير وضخم، وعندما يأتى اليوم الموعود ويتكشف للجميع ضآلة الحدث وكذب تهديدات الإخوان، فإن أغلب الإعلاميين من فريق الدببة سيصدقون أن جهودهم فى توعية وتحذير الناس كانت من أهم أسباب فشل دعوة الإخوان!! بالرغم من أن ذلك غير حقيقى بالمرة، فقد كانت هناك عشرات الأحداث والدعوات الإخوانية بعد 30 يونيو ولم تنجح، لأن الناس فقدوا الثقة فى خطاب الإخوان.
كل دعوات الإخوان السابقة للثورة أو الإطاحة بالنظام الحالى فشلت بامتياز، لكنها للأسف وبسبب المبالغات الإعلامية أربكت البلد والأمن والإعلام، بسبب المبالغات فى التحذير وتخويف الناس، ومن ثم تخويف الحكومة نفسها، رسالتى باختصار، وفى ضوء الأسس العلمية لإدارة الأزمات، هى عدم التهوين أو التهويل من الخطر المتوقع، إذا كان هناك خطر حقيقى، والتعامل مع الأحداث بهدوء واعتمادًا على التخطيط والتفكير العلمى، والأهم معلومات تدقيقية وثبات انفعالى، ويلعب الإعلام الوطنى أدواراً مهمة للغاية فى تحرى الدقة وبث معلومات صحيحة وتحقيق الثبات الانفعالى لدى الجمهور وصانع القرار ولدى الإعلاميين أنفسهم.