الجميع يدركون لعبة 11/11 الإخوانية، وسيمر اليوم مثل أيام كثيرة سابقة، وبعيدا عن كل هذه الترهات تبقى لدى تساؤلان كبيران، هما: أولا: لماذا نخشى الجماهير الشعبية؟ وكيف أمكن للإخوان الإرهابيين أن يبتزونا بجماهيرنا؟ ثانيا: أين اليسار المصرى الذى كان بالممارسة والتخصص هو التيار الذى يعيش بين الجماهير؟
قبل كل شىء لابد أن نتوقف أمام السياق الحالى، لنجد فى الوقت الذى يصارع فيه الرئيس عبد الفتاح السيسى التحديات والزمن.. لا تهتم الأحزاب والنخب السياسية سوى بالبحث عن المصالح الشخصية، والقوات المسلحة، وشرفاء الشرطة يدفعون الدماء يوما بعد يوم، باختصار استلم الرئيس السيسى الوطن والدولة القديمة فى كنف «المماليك المباركية»، والنظام السياسى ضعيف، ومنذ تفويض 26 يوليو.. الرؤية السيساوية تتلخص فى «إعادة بناء الدولة واستكمال النظام السياسى وترشيد المجتمع وإعادة المصداقية لمصر دوليا»، والإرهاب يخوض حرب استنزاف حقيقية ضد تلك الرؤية، وليس مع السيسى سوى الظهير الشعبى والقوات المسلحة، معسكر 30 يونيو تهزه الأعاصير يقودها أنصار النظام المباركى الذين يمارسون سلوكا انتقاميا، ويحاولون إعادة السيطرة على البلاد مستقويين بالمال السياسى والقبلية السياسية، والقطاع الخاص لأول مرة فى تاريخه يفرض هيمنته من أجل إعادة تشكيل العقل الجمعى عبر امتلاكه لبعض بارونات الإعلام الفضائى، مبتكرين معارضة فضائية، أو فى الفضاء الإلكترونى لتهميش اليسار.
بعد 30 يونيو كان لحزب التجمع الوطنى رصيدا مدنيا كبيرا تجسد فى مواقفه الحازمة من الإخوان ونضاله المستمر ضد الإرهاب، ورفضه الدخول فى أى تحالفات مع الإخوان مثلما فعلت أغلب فصائل اليسار مرتين : مرة فى خوض انتخابات 2012 على قوائم الإخوان، ومرة أخرى حينما وقع اليسار «المغامر» فى «خطيئة «فيرمونت» وتأييد قطاعات منهم من قبل لعبد المنعم أبو الفتوح، ولكن غياب الرؤية للتجمع واليسار المعتدل، إضافة لعوامل التعرية السياسية، من ضعف البنى التنظيمية وابتعاد أغلب القادة ذوى الخبرة بالموت أو بالتهميش أدى إلى اندفاع اليسار المعتدل نحو معسكر «الموالاة» دون إدراك لكون النظام السيساوى فى أشد الحاجة للمعارضة اليسارية، من أجل قيادة وترشيد غضب الجماهير، وألمح النظام لهؤلاء بأكثر من مؤشر ولكن تنظيره «مؤسسة الرئاسة»، التى حاكها المفكر الكبير الراحل لطفى الخولى عادت لتنشط فى الفكر التجمعى واليسارى المعتدل، وللأمانة ظهرت هذه التنظيرة بعد أن أنهك اليسار والتجمع من ضربات السادات الموجعة، وظهور الإرهاب الدموى، ولكن النظام وقتها لم يقابل «الإحسان بالإحسان» وقرر أن يعقد الصفقات لا مع اليسار بل مع الجماعة الإسلامية، تحت زعم المراجعات فى نهاية التسعينيات، وبدء أمن الدولة فى دعم الجماعات الوهابية السلفية فى مواجهة الإخوان، وفى 2005 عقد النظام صفقة «العادلى عاكف» التى أعطت الإخوان حرية الحركة فكسبوا سياسيا إعادة بناء التنظيم و88 نائبا فى البرلمان، و%22 من تجارة التجزئة و%55 من شركات الصرافة وارتفاع نسبة تواجدهم فى الجمعيات الأهلية من %11 إلى %29، وإذا أضفنا مكتسبات السلفيين سنجد استيلاء الإسلام السياسى على المجال العام تقريبا مقابل الموافقة على توريث جمال مبارك، وهكذا ينطبق على اليسار المثل «آخر خدمة النظام علقة»، ورويدا رويدا تم تفكيك اليسار خارج التجمع عبر أجندات التمويل وسحبهم خارج الحلبة.
سار التجمع بالقصور الذاتى، وكان انقسام حزب التحالف الأكثر إيلاما، حيث خلق حزبا منافسا فى الضعف، وكلاهما يؤيدان النظام فى مواجهة الإرهاب دون رؤية حقيقية لأن الأرضية الجماهيرية سحبت من تحت أقدامهما عبر جماعات المتأسلمين والاوليجاركية المالية، وفقد اليسار نكهته الجماهيرية، وترك الساحة لليسار المغامر الانتهازى، وفقد النظام أساتذة العمل الجماهيرى والمعارضة بالاشتباك.لا أضع نفسى خارج اليسار خاصة التجمعى، لست ناقدا بل باكيا حالتنا، التى تقتضى إعادة الرؤية الصحيحة والوحدة بين مكونات التجمع السابقة داخلة أو خارجة، ربى لا أسألك رد اليسار بل أسألك اللطف بيه.