لا أنكر أننى كنت من المتخوفين أن يتحول المؤتمر القومى الأول للشباب إلى "مكلمة" فى حضور الحكومة والرئيس ، لذلك حرصت منذ اللحظة الأولى على متابعة جلساته بحذر شديد وعين ناقدة، لكنى بعد مرور يوم ونصف من المؤتمر، وقت كتابة هذا المقال ، أيقنت جدية التجربة وأننى كنت مخطئا وسىء الظن ، وأكد لى هذا ما تابعته من مناقشات اتسمت بالصراحة ومداخلات شبابية جريئة واعترافات واضحة من قبل المسئولين بالمشاكل والواقع المرير الذى نعيشه، وقد ضرب الرئيس المثل فى هذا وقدم نفسه كمواطن قبل أن يكون المسئول الأول فى البلد .
لقد خرجت بعد مرور يوم ونصف بعدد من الملاحظات المهمة فى وجهة نظرى أولها أن تشكيلة المشاركين وطبيعة الحوار تؤكد أننا أمام دولة بمعنى الكلمة يتجمع حولها الجميع ، سلطة ومعارضة ، قد يختلفون فى كثير من القضايا وقد تشتد حالة الانتقاد بينهم لكن هذا لا يفسد ما بينهم من اتفاق على أهمية مساندة الدولة وحمايتها ، وقد ظهر هذا بوضوح فى ظهور معارضين كانوا يصورهم لنا البعض على أنهم أعداء للدولة ، لكن وجدتهم جالسين على المنصة يديرون نقاشات وبحضور الرئيس الذى يرد على إجاباتهم ويتفق معهم أحيانا ويختلف أحيانا أخرى ، لكنه فى النهاية يوجه رسالة بأن الوطن يتسع للجميع.
الثانية أننى وجدت فى النصف الأول من المؤتمر أيضا أملا فى مستقبل للبلد يقوم على المشاركة الإيجابية ، فلا تخوين ولا تشويه ولا تقطيع ولا عداء ولا استبعاد أو تهميش وإنما حوار ووصول إلى نقاط التقاء تبنى الوطن وتحميه من السقوط .
الثالثة أنه على قدر الفجوة الموجودة فى الموقف السياسى بين الدولة وعدد ليس قليل من الشباب لكن هناك اتفاق بين الجميع على الخطر الذى يهدد البلد وهويتها بل ووجودها من الأساس وهو الجماعة الإرهابية التى تقبل التضحية بكل شىء وتبيح القتل والحرق والتخريب مقابل السلطة، وكذلك الكيانات الإرهابية التى تريد فرض الفوضى وتدمير هذا البلد، والقوى الدولية والإقليمية التى لا تريد أن تقوم مصر من كبوتها ، وكل هذا رفضه كل المشاركين دون استثناء وأكدوا أنهم فى ظهر الدولة لمواجهة هذا الخطر.
الرابعة أن هناك خطوطا رفيعة بين السلطة والمعارضة لابد أن نحافظ عليها وشعرة لا يجب أن نقطعها بل نزيدها قوة وليس هذا صعبا بل متاحا إذا استطعنا إدارة الخلاف بيننا حول القضايا السياسية والرؤى الاقتصادية.
الخامسة أن الأولويات لا يختلف عليها لا معارضة ولا حكومة ولا رئاسة، فالاقتصاد هو الخطر الأكبر والمرض الذى يجب أن نسارع جميعا لعلاجه ، ويجب أن نضحى جميعا ، كل على قدر تحمله ومسئوليته ، من أجل هذا العلاج لأنه مرض جسد كامل وليس مرض يخص فئة أو طائفة أو مجموعة ، لكن مع هذا العلاج لابد أن نتقى شر الأعراض الجانبية وخاصة السياسية .
السادسة أن لدينا نماذج شبابية مؤهلة بالفعل لتولى المسئولية ولديهم أفكار متميزة وقدرة على الإبداع والانطلاق بهذا البلد إن منحوا الفرصة ولا ينقصهم سوى بعض الخبرة والاحترام لأرائهم واجتهاداتهم وتمكينهم وإفساح المجال أمامهم بدلا من كبتهم .
السابعة أن هناك اجماعا على أن السيسي هو اختيار المرحلة ولابد أن نسانده وندعمه ولا نخذله ، قد نختلف مع بعض سياساته أو قراراته ، قد نعارضه لكن يجب أن نحميه مثلما نحمى الدولة من كل ما يدبر له من مؤامرات ومحاولات للتخلص منه .
الثامنة أن هناك إصرارا من الجميع ، شباب ومعارضة ورئيس ، على ألا يقتصر المؤتمر على أيام شرم الشيخ وإنما لابد أن يكون نشاطا مستمرا وخلية نحل تعمل على مدار العام كى تحقق ما تم الاتفاق عليه والتوصية به فى المؤتمر حتى نعوض ما فاتنا من فرص.
ويبقى فى النهاية أن نستطيع ترجمة كل هذه المعانى التى أظهرها المؤتمر إلى واقع عملى فى الشارع يستمر طول العام .