المشكلة ليست فى مواثيق الشرف الإعلامية وحدها، فنقابة الصحفيين لها ميثاق شرف، مثل «خيال المآتة» الذى لا يخيف الغربان ولا حتى العصافير، ولكن فى إعادة إحياء دور الصحافة القومية، التى كنا نطلق عليها رمانة الميزان، فاختل الميزان بسبب المشاكل المتراكمة منذ عشرات السنين، وأخطرها الديون الباهظة التى تغرق إيراداتها وأصولها، واصبحت كالورم السرطانى، الذى لا يمكن تركه أو جراحته، وحتى لو تم شطب الديون- رغم الصعوبات القانونية- فهل تستطيع المؤسسات أن تستمر دون الاستدانة من جديد؟
حرية الصحافة واستقلالها لن يتحققا إلا بالاستقلال المالى، وقدرتها على الاستمرار دون أن تمد يدها للحكومة أول كل شهر، ويحول دون ذلك أن تتدهور الإيرادات وتتزايد النفقات، وتتراجع دخول الصحفيين حتى أصبحوا فى ذيل جداول المرتبات، ولا سبيل لوقف التدهور إلا بوقف نزيف الأنشطة الصحفية الخاسرة، وإعادة الهيكلة حسب ظروف كل مؤسسة، وهذا الحل لن يتحقق فى عام أو عامين، لكنه يحتاج برنامجا زمنيا لا يقل عن خمس سنوات، بشرط أن تكون خطط الإصلاح مبرمجة بجدول زمنى تتم مراجعته بدقة.
برامج الإصلاح يجب ألا تكون عصا تأديب، وإنما بالحوافز والمزايا والتشجيع، ليقبل عليها جموع الصحفيين بثقة واطمئنان، وتأكدهم أنها تضيف إليهم ماديا ومهنيا ولا تخصم منهم، وتؤمن مستقبلهم وتفتح أمامهم أبوابا جديدة، وإذا قادت المؤسسات القومية ثورة الإصلاح، ستكون القاطرة التى تشد معها الصحف الخاصة والحزبية، وتفتح المجال أمام حرية الصحافة الملتزمة بالضوابط القانونية، فالصحافة هى قلب الإعلام النابض، والنموذج الذى يمكن أن يحتذى به.
كان من الأصلح أن تندرج الصحافة والإعلام تحت مظلة واحدة، وقانون واحد ونقابة تضم الإعلاميين والصحفيين معا، ولكن إذا كان الدستور قد أقر الفصل بينهما، فالمتاح الآن هو أن تسرى القواعد المهنية والقانونية على أبناء المهنتين، فتسترشد نقابة الإعلاميين بقانون نقابة الصحفيين، وأن تسرى ضوابط المهنة على الصحافة والإعلام، وأن يصدر ميثاق شرف جديد يتضمن آليات تضمن تنفيذه، حتى لا يصبح مواعظ وإرشادات، وعبارات براقة وجملا إنشائية مرسلة، كعهدنا بمواثيق الشرف السابقة، التى ظلت مجرد حبر على ورق، والمهم أن تتحرك المياه الراكدة، قبل أن يفتر الحماس وتؤجل القضية حتى إشعار آخر.