شهدت أسواق العملة المصرية فى الأيام الماضية حالة هى أشبه بالهيستريا فى سباق اكتناز الدولار، وقد أدت تلك الحالة إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية بشكل عام والدولار بشكل خاص، وهذا أدى بدوره إلى قلة المعروض فى السوق، وبالتالى زيادة كبيرة فى أسعار التداول حتى كسب الدولار فى السوق السوداء فى ساعات أضعاف ما قد يزيده فى شهور، فالبعض اعتبر استحواذ الدولار واكتنازه هو حائط الأمان الوحيد فى السوق المضطربة، وهو أمر كاذب تمامًا، ففى الحقيقة وبرغم اعترافنا بأن هناك أزمة حقيقية فى توفير متطلبات السوق من الدولار، فإن هذه الحالة فى حقيقتها مزيفة، وأن أغلب الزيادة التى حدثت فى أسعار الصرف فى السوق السوداء هى زيادة وهمية أدى إليها تنامى الطلب، وليست قوة الدولار الحقيقية، وقد استفاق السوق مؤخرا وهبط سعر الدولار بشكل كبير، حيث وصل حتى وقت كتابة هذه السطور إلى 12.60 جنيه، وإلى ما يزيد على الـ 13 جنيها، وأعتقد أن الساعات المقبلة ستشهد هبوطا أكثر، ليعرف الناس أن المضاربة بالدولار أشبه بالمتاجرة بفقاقيع الهواء، وأن «المتغطى بالدولار عريان».
لن أردد لك شعارات، ربما تراها جوفاء، حول أهمية دعم العملة المحلية وفساد ظاهرة الاكتناز، التى صنعها البعض لأغراض تجارية هدامة، لكنى أؤكد لك أن مصلحتك الشخصية فحسب تتطلب عدم الانسياق وراء هذه الظاهرة الكاذبة، فسعر الدولار لا يحدده تاجر عملة أو حتى مجموعة تجار، وإنما يحدده قوة السوق ومعيار العرض والطلب، لذلك فإن الاستثمار فى شراء الدولار لا يجدى ولا ينفع، والأهم منه هو الاستثمار فى المشاريع الخاصة والتجارة الحقيقية، التى تضمن ارتقاء السوق، وتضمن الأمان الحقيقى فى موارد ملموسة وأصول ثابتة واسم تجارى يجلب لصاحبه أضعاف ما يمكن أن تضيفه زيادة وهمية فى سعر الصرف، فالدولار فى النهاية «ورقة» لا تتحكم أنت فى سعرها ولا قيمتها، الذى يحدد قيمتها عدة عوامل خارجية لا ناقة لك فيها ولا جمل، ولو حدث تغيير ولو طفيفا فى موارد الدولار الخمسة «قناة السويس والسياحة والتصدير والاستثمار الخارجى وتحويلات المصريين فى الخارج» سيتأثر سعر العملة فورا، وستجد نفسك وقد خسرت بلا سبب مثلما ربحت بلا مجهود.
تخيل مثلا أن روسيا ألغت الحظر القائم الآن على السياحة الروسية، وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق، فبلا شك سينخفض سعر الدولار بشكل كبير جدا، ووقتها لن ينفعك تاجر العملة، الذى نصحك باكتناز الدولار، ولا شغفك المحموم للكسب السريع، الذى دفعك إلى تحويل مدخراتك بالعملة الصعبة، وستجد نفسك فى النهاية ضحية لكذبة ليس لها أرجل ولا أذرع.
نشر هذا المقال فى 28 يوليو الماضى وأعيد نشره اليوم بعد انهيار سعر الدولار أمس.