جلسنا حضوراً ومشاهدين وكثير من طوائف الشعب نشاهد ختام مؤتمر شرم الشيخ الوطنى الأول للشباب تحت رعاية الرئيس وفى حضوره , وقد استهل الاحتفالية ثلاث من الشبان وفتاة وقفوا يتحدثون حديثا مكتوبا عن بعض توصيات الشباب فى هذا المؤتمر , وربما لم يلتفت الناس كثيراً لما قالوا فقد قالوا كلاماً أقرب للديباجة المحفوظة المعتادة ولكن جملة واحدة مرت ويبدو أن أحدا لم يلتفت لها وأظنها كانت كارثية فمن بين ما قالوا إنهم يطالبون بفرض مزيد من الرقابة على الفن!!!!
وما هى إلا لحظات وأعلن المسرح عن جوائز الإبداع للشباب هذا العام, فإذا بى أجد أن من بين ثمانية حصد الفن بفروعه أربع جوائز أى أن الرئيس ومن فكروا معه فى منح جوائز الإبداع منحوا الفن نصفها لمخرج وممثل ومطربة أوبرا وعازف موسيقى , وجميعهم يستحقونها عن جدارة شباب موهوب حقاً أبدع بحرية فقدم فنا عظيماً.
وهنا وقعت فى دائرة الحيرة , فقد أتفهم أن دولة ما ونظام ما قد يرى فى حرية الفن خطر عليه , أو أن يضيق بتلك الحرية فيبحث عن وسائل للرقابة على الفنون والإبداع , ولكن أن تكون من ضمن توصيات جماعة من الشباب زيادة الرقابة على الفن ,وهم بالتأكيد ليسوا شباب جماعة الإخوان المعتادين على السمع والطاعة أو شباب جماعة سلفية هى فى الأصل ترى أى إبداع حرام , تلك كانت المفاجأة الحزينة, والتى تلتها المفاجأة السعيدة التى أتت من الدولة ورئيسها حين منحوا الفن نصف جوائز الإبداع.
نحن مجتمع مأزوم ولا شك, مرت علينا عقود من السنين عجاف , قلبت موازين الفهم وقيم نتصورها بديهية, جعلت كثير من القبح السياسى والفنى والاقتصادى والأخلاقى يتصدر المشهد , ثم جاء رجال يتحدثون باسم الله كذباً وبهتاناً يحرمون علينا أحياناً حتى الهواء الذى نتنفسه , واختلطت علينا الفضيلة بالعهر, والجمال بالقبح والحق بالباطل, والحرية بالقيود.
ثم جاءت ثورة يناير وتصورنا أنها عدلت المايلة وكفة الميزان ولكنها مالت بنا حتى كدنا نسقط, وبقى خلط السيئ بالخير, والفظاظة بالأدب , والفن بالهرتلة, فصرنا فى طرفى نقيض البعض يرى فى الحرية خراب وآخرين يروا أن الحرية بلا حدود مطلب دونه الموت , ونفس هذا التطرف أصاب الكبار والصغار , والعجائز والشباب.
الفن قيمة مقدسة , والإبداع هو صفة الله عز وجل , والبشر يحاولون أن يقتربوا من خالقهم بالإبداع وبالفن, وليس معنى أن هناك فن قبيح أو عشوائى أو يشبه شوارعنا ,أن نطالب بالحجر على كل فن ونطالب بزيادة الرقابة , فالتجارب السابقة لنا ولكل دول العالم أثبتت أن الرقابة لا تغرى الفنان بفن راق على العكس أنها تطرد الفنان المبدع ولا يبقى منها إلا فن رديء.
وربما هناك من يتناسى من بين من يطلبون فرض رقابة أكبر , أننا فى عصر صارت الرقابة فيه عبثية , فقنوات الاتصال الحديثة جعلت الرقابة على الفن أو غيره من نشاطات البشر, تاريخ.
فما الحل إذا يا بعض من شباب الوطن الذى يطالب بزيادة الرقابة؟
الحل الوحيد فى اعتقادى هو أن تطالبوا وتصروا على حداثة التعليم, وثقافة المجتمع ونبذ التطرف , وتجميل الواقع , وفقط وقتها سيطرد الإبداع الجميل أى قبح , ولا تتصورا أن حتى لو حدث هذا لن يكون هناك فن رديء , ولكن سيكون هناك مشاهد ومتلقى للفن يستطيع أن يفرق بين القبح والجمال وينصر الأخير ويخاصم الأول.