تتوالى مشاهد الدراما الواقعية المصرية كل ثانية أمامنا ، بل نعيشها ونحن غارقون فى الكوميديا السوداء وأحيانا العبث أو ما يسميه النقاد اللا معقول وأيضا الفانتازيا، فمن يعقل أن يعلن وزير أنه حاول التفاهم مع حوت الأرز فى مصر وقال له والنبى خفض شوية السعر عشان المواطن الغلبان فيقول له ،لا يفتح الله، استورد من برة أحسن ، ومن يصدق أن يتحكم فى سوق السكر ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة ومن يصدق أن تعلن الأرصاد أن هناك سيولا قادمة منذ شهر، ولم يتحرك أحد من الحكم المحلى أو المحافظين لدرء المخاطر وتفاديها، أليست هذه مشاهد عبث فى عبث، وأما الدراما بمفهومها العلمى فهى أيضا تدعو للعبث، لأننى عندما أجد مسلسلا تركيا معروضا على قناة مصرية يشجع زواج المثليين ويجعل الأب يدعم ولده الشاذ ليتزوج صديقه هنا لابد أن نسأل هل وصلنا لهذه الدرجة من الإسفاف .
ثانيا : لابد أن نعترف أن الدراما سلعة لا يذهب إليها المستهلك /المشاهد/ وإنما تصل له إلى مكانه بسهولة ويسر وبلا تعب أو تكلفة منه وبذلك فهى سريعة الوصول والتأثير ولذلك وضعتها المخابرات الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية كأخطر الأسلحة فى الحرب الباردة وحسب كتاب الباحثة الأمريكية ايين لى فى كتاب (الثقافة الشعبية)، لعبت الدراما الأمريكية أخطر الأدوار فى تنفيذ مخطط إسقاط الاتحاد السوفيتى وأيضا فى كل مخططات ما سمى بالعولمة وهدم هويات الشعوب خصوصا الترويج لسلع وقيم وسلوكيات أمريكية تنفذ مخططات الشركات الأمريكية عابرة القارات ،والكتاب موجود فى هيئة الكتاب مترجما لمن يريد الاستزادة.
ثالثا : من المنظور السابق فعلت الدراما المصرية منذ الستينيات ما فعلته صوت العرب فى العهد الناصرى وأصبحت اللغة المصرية خط الدفاع الأول عن قوة مصر ووعاء ثقافتها وحضورها السيادى فى المنطقة وظل ذلك حتى تخلت الدولة عن الإنتاج ممثلة فى قطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى، وتركت الساحة للقطاع الخاص، ووكالات الإعلان، والنتيجة أننا لم نر مسلسلا عن شخصية وطنية أو سيرة ذاتية عن رمز مصرى أو عملا دينيا أو اجتماعيا يحمل رسالة تصب فى شأن الهوية وقضايا الأمة والمحصلة غثاء وتسطيح، بل تصل لدرجة المؤامرة على المجتمع لعدة أسباب منها أن كبار الكتاب تم إقصائهم عمدا وصارت ورش السيناريو رخيصة الثمن وعديمة الخبرة هى مصنع الدراما ومع احترامنا للجميع لكن ما يعرض على الشاشة فى معظمه يفتقد للبناء الدرامى المتقن وأيضا للمورال أو (الإيثكس) أى المسئولية الأخلاقية للعمل الفنى ولذلك وجدنا نموذج البلطجى هو الرمز الطاغى الذى يحرض على تفكيك الدولة ومحاربة القانون وتعظيم قيم الغابة وإحلال الفوضى وأخذ الحق بالدراع ولا عجب أن نجد العاهرة والخائنة نموذجا آخر يجسد النساء على الشاشة مع مفردات لغوية منحطة تنقش على مؤخرات التكاتك وعلى السوشيال ميديا ولغة المواخير وعلب الليل وتأخذ شيوعا وشرعية من الشاشة وبالتواتر والاعتياد يتم تفكيك اللغة العامة الوسيطة للشعب لتنهار فى جب البذاءة والانحطاط وهو ما تحدثت عنه بالتفصيل الباحثة الأمريكية إيين لى .
رابعا : يطول الكلام عن الشخصيات المنحرفة وكيفية صياغتها فى علم السيناريو بحيث تكون لغتها فنية لا حياتية وكيفية التعبير عن القبح بصورة جمالية بحيث تصل الرسالة بدون خدش للحياء العام أو تكريس للقبح والشر ولكن هذا مفهوم بعيد عن صناع الدراما الذين سقطوا فى فخ الإعلان التجارى و وحدانية النجم ومداره رغم أن الآباء صنعوا دراما حطمت قياسات المشاهدة ولا تزال عند إعادة عرضها ولم تحطم بنية المجتمع وهويته كما هو حاصل الآن .
الخلاصة لابد للدولة أن تتدخل وتوجه وتنتج أعمالا تكرس دور الفن والقوة الخطيرة للدراما وهذا ليس قيدا على الإبداع ولابد للقطاع الخاص المستنير أن يعى أن الدراما سلاح إذا وضع فى يد الجاهل والمغرض يكون أخطر من القنبلة الذرية لأن الأول يقتل ببطء ويتسلل لنخاع المجتمع بخبث وللحديث بقية .