نظام الكون والمعرفة

إذا كان للمعرفة حق فى الوجود فذلك الحق لا يقوم إلا على مطابقة نظامها للنظام الكونى . وإذا كان النظامان متطابقين فإن ما نعلمه عن الكون يقينا يمهد لنا الطريق إلى الفهم الحق للمعرفة ، وسد النقص الذى يكون فى علمنا بنظام الكون كله. وإن علمنا نحن بنى آدم لم يبلغ بالكون حد اليقين إلا فى بعض العلوم . ولم يعد أحد يشك فى أن هذه العلوم فى جوهرها صحيحة ومطابقة للواقع الذى نعيشه . والنجاح المنقطع النظير الذى صادف تطبيق هذه العلوم يجعل مطابقتها للواقع أمرا لا يقبل الشك ولا نزاع فى أنه لا يزال فى العلوم الكثير من الفجوات . ولكن نظامها أصبح واضحاً وإن لم نحط بتفصيلاته كلها. وقدرتنا على التنبؤ يقيناً بما سيحدث فى دائرة العلوم يثبت امرين : أولهما ؛ أن هناك نظاما عاما لها ، وثانيهما ؛ أننا نحن البشر نعلم من هذا النظام فقط ما يجعلنا نثق أن نجهله منها لا يختلف عن النظام العام للمعرفة ( والكون) هرمى ، قاعدته بسيطة عريضة ثابتة ، ويزداد ما فوقها تعقيداً وتخصصا وقلقاً ، كلا الهرمين يتكون من أهرام صغرى كلها تقوم على النظام نفسه ، حيث تكون القاعدة بسيطة ثم تقوم عليها أمور تزداد تعقيداً كلما ازدادت علوا . والتعقيد بالطبع لا يتعلق بالحجم وإنما هو أمر تركيبى يتعلق بالقوانين التى تعمل فى الأشياء . فالأرض مثلا أبسط من تركيبة النملة لأنها لا تخضع إلا للجاذبية وهو قانون فيزيائى يعتبر أدنى من القوانين الحيوية التى تخضع لها النملة . وليس فى ذلك اى غرابة ، فقطعة السكر بسيطة الشكل جداً ، وهى مع ذلك مكونة من بللورات شكلها معقد إلى أقصى حد . ولنكرر هنا المعنى بالان التعقيد لا يتعلق بالزمن ، والقول بأن الأمور البسيطة خلقت أولاً ثم تلاها ما هو أعلى منها ، قول لا برهان عليه. وإنما هو تشويه اضطر إليه العقل الانسانى لعجز طبيعى فيه عن فهم الزمن . والتطور يكون مما هو أبسط إلى ما هو أكثر تعقيداً لا من الأقدم إلى الأحدث . وتظهر أكبر ما فى هذا النظام من صعوبة فى الفجوات الكبرى التى نراها فيه. فالفجوات تكون فى علمنا بما هو موجود ، وهذا يسهل تلافيه عاجلا أو آجلا ، أو فى الكون نفسه . فليس على المخلوقات أن تشمل جميع الاحتمالات التى يستوعبها هذا النظام . وقد ظهرت هذه الفجوات بشكل واضح جداً فى الموجات الأثيرية ، بحيث اختلفت ولم توجد أطوالها كلها فى الطبيعة ، وكثير منها لم يظهر إلا على يد الانسان . ولكن ما لم يخلق منها فى الطبيعة لا يختلف فى النظام الحيوى والإنسانى ، بعضها طبيعى ، ومع ذلك فإن هذه الفجوات لا تحجب النظام الحيوى . والبحث عن الحلقات المفقودة كان بحثا لأن الباحثين عنها لم يدركوا حقيقة أمر الفجوات . حيث أن الفجوات الكبرى تقوم بين الأجزاء الثلاثة للمعرفة وهى المادة والحياة و الانسان ، ومن أصعب الأمور منها ، ولكنها ضاقت إلى الحد الذى نستطيع معه أن ننتقل من نظام إلى نظام دون مشقة كبيرة على العقل الانسانى ، بعد أن سخر الله سبحانه وتعالى العلم للبشرية. * أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;