تناولت فى مقال، أمس، واقعة استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى، لفتاة عربة البضائع، وفيها ذكرت أن ما فعله الرئيس يعد أمرًا إيجابيًا خلاقًا، لأنه بهذا الحدث المبهج أطلق إشارة البدء فى تغيير الصورة النمطية عن نجوم المجتمع، مدخلًا بهذا شرائح جديدة إلى دائرة النجومية، شرائح تؤمن بالقيمة الحقيقة للشقاء، تعمل وتعمل وتعمل، دون أن تنتظر من أحد شىء، وفى الحقيقة فإننى هنا ألوم على المجتمع المصرى كله لأننا أهدرنا قيمة العمل فى مقابل إعلاء قيمة الفهلوة، كما ألوم أيضًا على صناع الدراما بجميع أشكالها، لأنهم لا يدركون حجم الرسالة الموكلة إليهم ولا يقدمون لنا نماذج إيجابية لـ«نجوم» من لحم ودم، تصلح أن تكون قدوة لكل مقتدى.
واقعة، أمس، ذكرتنى بمقال كتبته العام الماضى، بعنوان «قل لى من نجمك أقول لك من أنت»، وقلت إن هذا السؤال هو اختبار فى تقدم المجتمعات، فقاعدة فى كل بلدان العالم النجومية عريضة متسعة، لكن من المحزن أنها فى مصر تقتصر على الفنانين والأدباء والصحفيين ولاعبى الكرة، ونادرًا ما نرى عالمًا أو باحثًا يقدمه المجتمع إلى المجتمع باعتباره ابنًا نجيبًا أو فردًا استثنائيًا، والاستثناء الوحيد فى هذه القاعدة هو أن ينال هذا الباحث أو العالم تقديرًا خارجيًا أولًا ليعترف به المجتمع مثلما حدث مع أحمد زويل، ومجدى يعقوب، وللأسف أيضًا فإننا نغفل قيمة النجاح فى كل مناحى الحياة، فلا نعرف شيئًا عن رجال الأعمال المجتهدين، ولا عن أصحاب المشاريع الخيرية الفاعلة، ولا نعرف شيئًا عن أبطال الصدفة الذين يضحون بحياتهم فى لحظات فارقة مفضلين إنقاذ شارع أو حى أو حتى طفل صغير على أنفسهم.
الدراما المصرية بحاجة إلى ثورة تصحيح مسار، بحيث تصبح أداة من أدوات المعرفة وشحذ الهمم، لا معولًا من معاول الهدم، فلا يحتاج الواحد فى أوروبا مثلا أن يقرأ كتابًا عن الموسيقار العالمى موتسارت ليعرفه ويقدره، ولا أن يجهد نفسه لمعرفة تاريخ الفنان التشكيلى العالمى فان جوخ، ليعرف مراحله الفنية وتطورها، ولا أن يجتهد ويشقى ليعرف إن العمل شرف، لأنه حتى يصل إلى عمر الوعى سيكون قد شاهد عشرات المواد الفيلمية عن هؤلاء المبدعين، وسمع ورأى وشعر بما أنتجوه من إبداعات آلاف المرات، ويومًا بعد يوم تتوغل هذه الأعمال الإبداعية فى وجدان الشعب، وتصبح معادلًا للشعب ومكونًا للهوية، ووقتها يصبح الإبداع غاية كبرى، فتدب فى شرايين المجتمع دماء جديدة قادرة على أن تهبه الحياة.