لا أعنى المعارك الدائرة الآن فى الموصل ضد تنظيم أبو بكر البغدادى فقط، ولا أعنى كذلك المعارك الدائرة على تخوم حلب، وفى محافظة الرقة معقل التنظيم، بل أعنى حرفيا بداية نهاية الفكرة نفسها بكل هياكلها على الأرض وتصوراتها الأيديولوجية وتكتيكاتها وأولها الذئاب المنفردة والخلايا العنقودية والعمليات الانتحارية المتتالية.
من أين تستمد فكرة نهاية الدواعش قوتها، ومنطقها وإمكانية تحققها على الأرض فعليا؟ ثلاثة عناصر أساسية كانت وراء ظهور التنظيم بقوة واجتياحه مساحات واسعة من الأراضى فى العراق وسوريا وليبيا وتسلل بعض عناصره إلى سيناء أثناء حكم المعزول الإخوانى، بهدف تكرار السيناريو نفسه فى مصر، والآن باتت هذه العناصر غير موجودة أو تكاد، ولم يعد على قوى مكافحة الإرهاب والتطرف فى العالم إلا احتواء آثارها.
العنصر الأول: تراجع قوة الدفع الأمريكية الجبارة للتنظيم، فالإدارة الديموقراطية الخاسرة فى انتخابات الرئاسة اعتمدت إنشاء التنظيم وتوفير الدعم له عبر عدد من الدول التابعة لخلخلة الدول الكبرى المستقرة، وخلق مناخ فعلى للفوضى على الأرض يسمح بإعادة تشكيل المنطقة وفق أسس جديدة إثنية وعرقية لا تقوم معها دولة متماسكة أو قابلة للنمو، ومع خسارة الديموقراطيين توقف برنامجهم التدميرى للمنطقة، خاصة مع اعتماد الجمهوريين وترامب برنامجا معاكسا يعمل على تبريد منطقة الشرق الأوسط، والمراهنة، كما فى السابق على الدول التقليدية المتماسكة، وتقديم مكافحة التنظيمات المتطرفة على ما عداها.
العنصر الثانى: إنهاء كل أشكال التمويل والدعم المالى واللوجيستى والتسليح وتجنيد المرتزقة لصالح التنظيمات المتطرفة، وفى مقدمتها داعش، مما يعنى فعليا توقف قطر وتركيا والمتطرفين الوهابيين وحماس، عن إمداد الدواعش بالأموال والسلاح، وهو إجراء أشبه بنزع أجهزة التنفس الصناعى عن التنظيم المتطرف، وبدء العد التنازلى لإضمحلاله حتى زواله نهائيا.
العنصر الثالث: ضرب حصار شامل على الأراضى التى تسيطر عليها التنظيمات المتطرفة بما لا يسمح باستغلالهم أى موارد بترولية طبيعية أو أنشطة تجارية غير شرعية، للحصول على تمويلات تساعدها على البقاء، مع مراقبة الحدود التركية والعراقية والقطرية والسعودية لمنع تسلل أى نوع من الدعم لعناصر التنظيمات المتطرفة.
أما ما يتعلق باضمحلال الفكرة نفسها، وما يترتب عليها من تكتيكات فردية أو جماعية، فموضوع نعرض له غدا بالتفصيل.