جاء قرار العفو الرئاسى والإفراج عن "82" شابًا ممن صدرت بحقهم أحكام نهائية، ليكون خير مسك لختام عام يمكن أن نطلق عليه "عام الشباب"، حيث تميز هذا العام بزخم كبير لفاعليات وقرارات جاءت جميعها فى صالح الشباب، وصدق الرئيس السيسى فى وعده الذى أطلقه فى التاسع من شهر يناير خلال كلمته بحفل إطلاق الموقع الإلكترونى لمشروع "بنك المعرفة" بدار الأوبرا، عندما قال "تحيا مصر بشبابها"، متعهداً بأن يكون العام 2016 هو بحق عام الشباب، وهو ما تحقق بالفعل خلال هذا العام الذى شهد أيضًا عقد مؤتمر الشباب بشرم الشيخ تحت شعار "أبدع ـ انطلق"، الذى جعل منه الرئيس ترجمة فعلية لوعده، وهو ما يدل على اقتناع الرئيس غير المحدود بهذه الشريحة التى تمثل بحق عصب المجتمع، والتى عانت لفترة طويلة من التهميش والتجاهل والإقصاء .
ومن الأمور المبهجة هذا العام كانت موافقة صندوق النقد الدولى على منح مصر قرض الـ12 مليار دولار على ثلاث مراحل، حيث إن ضخ هذا المبلغ سيقوى أوصال الاقتصاد المصرى، ويزيد من قدرته على المنافسة، ويفتح المجال لزيادة الفرص الاستثمارية، وهو الأمر الذى يعزز من ضرورة ضخ هذه المليارات فى مشروعات جديدة تدير عجلة الاقتصاد الوطنى لتخرجه من عثرته، ويقلل كثيرًا من فرضية تحقق وصدق الأنباء التى ترددت بتوجيه الشريحة الأولى من القرض لسد عجز الموازنة العامة للدولة وتدبير اعتمادات دولارية لاستيراد الأدوية والسلع الاستراتيجية، حيث إن تنفيذ هذا الأمر سيقلل من الفائدة التى ستعود على الاقتصاد المصرى من الحصول على هذا القرض.
فمن المسلم به أنه لا بديل أمامنا سوى الاعتماد على الذات للتنمية والنهضة الاقتصادية، والتى لن تتحقق بالاعتماد على الخارج لتحسين حالة الاقتصاد المصرى، فقد أثبت الاعتماد على الخارج فى دعم الاقتصاد المصرى فشله الكبير، حيث يرتبط ذلك دائمًا بإملاءات خارجية وأجندات لا تتفق مع صالح ومصالح الوطن والمواطنين، وترفضها الحكومة دائمًا.
وبالمناسبة هذا ليس ببعيد عن الإرادة المصرية التى تثبت على مدى التاريخ صمودها، ولعل خير دليل على ذلك استيعاب أبناء الشعب للإجراءات الحكومية الأخيرة وعدم الالتفات لأى من دعاوى الفوضى التى تآمرت لإشعال غضب المصريين، وكان آخرها درس 11 نوفمبر الذى أثبت المصريون خلاله وعيهم الوطنى التام وتفهمهم للظروف الحاسمة التى يمر بها بلدهم مصر .
إذا فالتنمية وإقامة المشروعات الاقتصادية هما الجسر الذى ينطلق منه الاقتصاد المصرى نحو النجاح والخروج من عنق الصعوبات الحالية، وهناك تجربة واعدة يجب استيعابها على أفضل نحو وتتمثل فى تنمية إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فوفقًا لاستبيان أجراه البنك الدولى فى 2014 فإن تلك المشروعات تساهم بأكثر من 80% من الناتج المحلى الإجمالى و75% من نسبة التشغيل فى القطاع الخاص، كما أنها تمثل نسبة 99% من إجمالى معدلات التشغيل غير الزراعى، فلماذا لا نحول هذه الأرقام إلى واقع ملموس على أرض مصرنا الحبيبة؟
ومن المعروف أن هناك جهات عديدة تشرف على تنفيذ ودعم تلك المشروعات مثل الصندوق الاجتماعى ووزارة الصناعة والتجارة ومبادرات البنوك، لكننا فى الوقت ذاته لا يجب أن نغفل حقيقة فى غاية الأهمية مفادها أن كثرة الجهات المشرفة على هذه المشروعات يؤدى فى كثير من الأحيان إلى تداخل فى الاختصاصات، وهذا فى واقع الحال يضع عثرات كثيرة أمام تحقيق الفائدة المرجوة من تلك التنمية المنشودة، فضلاً عن التحديات التى تواجه إقامة مثل هذه المشروعات .
وهذا ينقلنا لطرح تساؤل مهم، لماذا لا يتم دمج كل هذه الجهات على تلك المشروعات تحت إشراف جهة واحدة؟ وهذا يتطابق مع توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى وعد المستثمرين بمبدأ "الشباك الواحد"، خصوصًا إذا علمنا أن إجمالى التمويل المتاح يصل إلى 2.8 مليار دولار، وهذا لمن يعرف رقم كفيل بإحداث نهضة حقيقية وملموسة .
وتشير كافة الشواهد إلى ضرورة إشراك وزارة التعاون الدولى فى مسيرة التنمية المنشودة هذه، لأنها الجهة القادرة بحق على ضمان نجاح هذا النهج الاستثمارى الوطنى خصوصًا فى ظل وجود وزيرة مثل د. سحر نصر، التى نجحت إلى أبعد مدى خلال توليها مسئولية الإشراف على المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى البنك الدولى، وهذا فى الواقع ليس تشريفًا وإنما تكليف واستثمار فى محله للاستفادة من خبرتها الواسعة فى تطوير هذا الملف الأكثر أهمية .
وبالرغم من أن التوجه الأكبر يجب أن يكون للشباب، تؤكد جميع التقارير أن 51% من تمويل البنوك يذهب لكبار المستثمرين، وهو الأمر الذى يجب مراجعته وتصحيحه، حتى يستفيد الشباب من الشريحة الأكبر من هذا التمويل فى إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ليتم تنفيذ توجيهات الرئيس السيسى، الذى يولى الشباب اهتمامًا خاصًا، وأيضًا لأن نجاحنا وخروجنا من عنق الزجاجة اقتصاديًا، وبالمناسبة اجتماعياً وسياسياً أيضاً، لن يتحقق إلا بإيماننا الكامل وتشجيعنا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فهى كانت وما زالت القاطرة التى تدفع بالاقتصاد نحو النمو والازدهار.