لا يقبل صحفى أيًا كان اتجاهه السياسى أو اختلافه مع نقيب الصحفيين أن يجد يومًا نقيبه يواجه حكمًا بالحبس فى قضية حولها جدل كثير، ليس هذا من قبيل التكبر على القانون، فلسنا فوق القانون ولا على رأسنا نحن الصحفيين ريشة، ولكنه الحماس المهنى الزائد عن الحد، الذى لم نعرف حتى الآن كيف نتخلص منه، والعرف الذى تربينا عليه فى مؤسساتنا وبين جدران نقابتنا، فالنقيب بالنسبة لنا لا يمثل شخصه ولا من انتخبوه فقط وإنما يمثل المهنة بما تحمله من رمزية مهمة لمساحة الحرية فى المجتمع، ومن فرط تمسكنا بمبدأ عدم حبس الصحفيين اختلط الأمر على بعضنا بين قضايا الرأى وغيرها من قضايا، وتهم أخرى لا علاقة لها بالمهنة ولا حرية التعبير، حتى عندما يرتكب بعض الصحفيين أخطاء فى أماكن بعيدة عن العمل الصحفى يتمسكون بتميزهم كصحفيين وبالحصانة التى يمنحها كارنيه النقابة، فرغم أننا أكثر من نطالب فى مقالاتنا وفى مانشيتات صحفنا بألا تكون لمواطن حصانة على القانون وأن أى حماية يمنحها الدستور أو القانون لا تكون لشخص وإنما لمهنة، إلا أننا عندما يتعلق الأمر بنا كصحفيين نريدها حصانة مهنة وأشخاص.
داخل مجلس النقابة 12 زميلاً بجانب النقيب يحيى قلاش الذى أراه معتدلاً ويعرف حدود دوره النقابى، والشكل الذى يجب أن تكون عليه العلاقة بين النقابة والدولة، ومعه يسير أكثر من نصف أعضاء المجلس يعتنقون نفس التوجه الذى لا يمس أبدًا بحقوق المهنة وأهلها بل يدعمها، فى مقابل آخرون يرون أن العمل النقابى لابد فيه من خلاف دائم مع مؤسسات الدولة خاصة الحاكمة، ويصل الأمر عند قلة منهم إلى حد التشنج النقابى الذى أثق أن النقيب وأغلب أعضاء المجلس يرفضونه تمامًا.
المشكلة وسط كل هذا أنه رغم اعتدال الأغلبية فى توجهاتهم ومواقفهم النقابية وحرصهم على عدم خلط دورهم النقابى بتوجهاتهم وقناعاتهم السياسية، إلا أنهم يدفعون فى الغالب ثمن تهور القلة وتشنجهم، وأحيانًا يتم توريطهم فى مواقف قد تختلف تمامًا مع توجهاتهم لمجرد الإرضاء النقابى، وقد تصبح النقابة كلها وليس أعضاء مجلسها فقط رهينة هذه التصرفات الشخصية والتى لا تمثل سوى قلة من أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين أنفسهم.
وفى القضية التى صدرت بشأنها الأحكام الأخيرة على النقيب واثنين من الزملاء تطبيق عملى لهذا الأمر، فالأزمة لم تكن على بال النقيب ولا أغلب أعضاء مجلسه، وإنما تم توريطهم فيها لزوم الإرضاء والشعبية، لكن أيًا كان الوضع فقد كان النقيب حريصًا على حل الأزمة بعيدًا عن التصعيد، وبحث كل السبل وطرق أبوابًا كثيرة ومعه بعض أعضاء المجلس من أجل إطفاء نار الفتنة التى كانوا يرونها تشتد ولا يعرفون كيف يواجهونها، وكان من السهل فعلاً حلها لو سادت روح الود والحوار، لكن أعضاء بالمجلس وفى الجمعية العمومية وقيادات صحفية وأشخاص آخرين من جهات وتيارات مختلفة كانوا يشعلونها عمدًا من أجل الرهان على المكاسب الشخصية والسياسية التى سيحققونها، ونتيجة ضغوط وتصرفات غير عاقلة من كل الأطراف تجمدت كل المحاولات وتم تصعيد الأزمة دون أى مبرر وأصبح الوضع وكأنه صراع بين الدولة ونقابة الصحفيين وهذا أكبر خطأ بل من روجه مغرض لأنه لا يمكن أن تكون النقابة فى صراع أو عداء مع الدولة لأنها ببساطة مؤسسة وطنية فى قلب الدولة وتضم مجموعة من أبناء الدولة على اختلاف انتماءاتهم.
من ينفخون فى كير الأزمة الآن من هنا وهناك هدفهم التصعيد لمصالح سياسية أو انتخابية لكنهم أبدًا لا يراعون حق الدولة ولا ظروفها وأهمية توحيد الصف ولم الشمل، ومع ذلك فالرهان ما زال معقودًا على الأغلبية العاقلة من شباب وشيوخ وجيل وسط لديهم من الصلات والعلاقات والصوت المسموع لدى كل الأطراف، فهذه الأغلبية هى التى يمكن أن تجنبنا جميعًا هذا التصعيد المتعمد وأن تعيد الأمور إلى مسارها الطبيعى، وإذا كان البعض يتحجج بالحكم القضائى فهناك أكثر من وسيلة لإلغائه وإنهاء كل آثاره وفتح صفحة جديدة، لكن الاستسلام والرضوخ لمشعلى الحرائق من الجانبين على حساب الوطن فلن يفيد أحد بل سينال منا جميعًا وليس النقابة وحدها.