ليس اعتراضا على أحكام القضاء إذا قلت أن الحكم الصادر السبت 19 نوفمبر الجارى، بحبس الزميل يحيى قلاش نقيب الصحفيين ، والزميلين جمال عبد الرحيم سكرتير عام النقابة ،وخالد البلشى مقرر لجنة الحريات ،أصاب أبناء المهنة – وأنا منهم – بالصدمة ، ووضع الجميع فى موقف لا يحسد عليه.
وبداية نقر جميعا– نحن الصحفيون – بأحكام القضاء ونقبل بها، ولا نشكك أبدا فى نزاهتها، ولا يجوز بحال من الأحوال التعليق عليها.
غير أن الحكم فرض على الجماعة الصحفية وضعا ملتبسا، وجعل الكثيرين فى حيرة من أمرهم، واختلطت لديهم النواحى النقابية بالسياسية ، حتى أن الكثيرين يتساءلون عما إذا كان دور نقابة الصحفيين هو فقط خدمة الأعضاء ، وأن ينحصر دورها فى العمل الخدمى دون التعرض للقضايا السياسية ، سواء تلك التى تفرض نفسها على سياسات الدولة ، أو تشغل الرأى العام ،وهو الأمر الذى يفسر أسباب التباين فى الإجابات ، التى وصلت إلى حد خلق حالة من التباين فى الآراء وفى المواقف أيضا بشأن أزمة النقابة ، التى أرى أنها غير مسبوقة فى تاريخ النقابة.
وحتى نضع الأمور فى نصابها، فان نظرة سريعة إلى تاريخ نقابة الصحفيين والذى بدأ بفكرة إنشائها منذ العام 1906 بجهد الشيخ على يوسف وأمين الرافعى ، وحتى قبل أحداث يناير 2011 ، مرورا بفترة الاحتلال الأجنبى ، والتحولات السياسية فى منتصف القرن الماضى ، نجد أن النقابة لم تنفصل يوما عن قضايا الوطن ، ولم تنعزل عما يشغل الرأى العام ، فكانت لها مواقفها التاريخية الوطنية ، التى مثلت ركيزة اساسية من ركائز تحرر الوطن من الاستعمار ، وإعادة البناء بعد الحروب، فخاضت النقابة معارك ضارية مع السلطة من أجل أعضائها ومن أجل الوطن أيضا.
وفى كل موقف كانت تخوضه النقابة ضد السلطة ، سواء قبل جلاء المستعمر البريطانى او حتى بعده ، كانت تثبت دائما أنها الأقوى فى مواجهة أى محاولات للتدخل فيها ، واستمدت قوتها من قوة وايمان أعضائها ، الذين ناصروا قضاياهم بكل ما لديهم من قوة ، فكانت إرادة الصحفيين فوق كل رغبة أو تدخل للسلطة ، وبقوة نقابة الصحفيين تم إنقاذها من أن تتحول إلى ناد للمشروبات كما كان يريدها الرئيس الراحل السادات، واصبحت مصدر تشريع لاتغفل عنه السلطة التشريعية فى الدولة أو تتجاهله السلطة التنفيذية، فهى قلعة الحريات والكلام عن تاريخها ومواقفها ممتد لما هو أبعد وأكثر من ذلك.
فالشاهد أن النقابة لم تنفصل سياسيا عن الواقع ، فهى قلعة الحريات والتعبير عن الرأى والرأى الآخر المسئول ،وكذلك عمل أعضاء النقابة ، لايمكن أن ينفصل عن الواقع السياسى الذى يشهده المجتمع ، والوقائع كثيرة ، فقد دافعت النقابة عن أعضائها ليس فقط المطلوبين لسماع الأقوال، وإنما أيضا للذين صدرت ضدهم أحكاما واجبة التنفيذ ، ومع ذلك تحاورت الدولة مع النقابة ، وتم وضع نهاية لكثير من الأزمات ، التى أرى أنها كانت أقوى من تلك التى تعرضت لها النقابة مؤخرا، غير أن الفارق كان فى طريقة التعامل بين الدولة وبين النقابة ، فالكل كان يعلم أن دورهما تكامليا وليس تنافسيا كما يراه البعض الآن ، وسلك سلوكا على أساسه ، كانت نتيجته ما يتعرض له الوسط الصحفى فى الوقت الراهن.
ومع كل ماسبق فانه ينبغى على نقابة الصحفيين حسن التعامل مع الأزمة الأخيرة فى الإطار القانونى ، وهو ما أعلنه مجلس النقابة فى اجتماعه الأخير ، خاصة أن الحكم الصادر بحبس النقيب وعضوى المجلس ، فى درجته الأولى ، ويجوز الطعن عليه أمام محكمة الاستئناف ، التى كلى ثقة أنها ستعيد الأمور إلى نصابها.
ويبقى على جميع الأطراف أن تعلم أن القضية محلية بحته ، وأن الدولة لا يمكن لها أن تتجنى على الصحفيين ، فهم مرآة المجتمع ، كما أنهم وعبر تاريخهم لم يكونوا يوما ضد سيادة القانون ، بل يعملون على إعلائه واحترامه ، وإقامة دولة القانون والعدل، فى إطار من الحكمة والتروى.
------------
* مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة