لا يتحمل نتائج برنامج الإصلاح الاقتصادى وتكلفته الاجتماعية الباهظة سوى محدودى الدخل وأصحاب الطبقة المتوسطة فى مصر وهم غالبية لا يستهان بها، ومع ذلك هذه الغالبية أثارت اندهاش المتابعين والمراقبين للأوضاع الاقتصادية فى مصر وإعجابهم فى الوقت ذاته!
القرارات الاقتصادية الصعبة التى اتخذتها الحكومة فى العامين الماضيين لم يتصور أحد أن يستوعبها المصريون بصبر ويتجرعوها مثل الدواء المر، انتظارا لما هو قادم من انفراجة اقتصادية، حسب وعود الحكومة. فالناس ابتلعت غضبها وخالفت توقعات من ظنوا أن «سيرة 18 و19 يناير 77» قد تتكرر مرة أخرى، عندما خرجت التظاهرات الغاضبة ضد زيادات الأسعار التى أقرها الرئيس السادات وحكومة ممدوح سالم.
قى أقل من عامين وفى مواجهة تباطؤ النمو الاقتصادى والعجز فى الموازنة العامة للدولة، اتخذت الحكومة أصعب القرارات التى لم تقترب منها حكومة مصرية منذ عام 77، وهى قرارات إعادة هيكلة الدعم ورفع أسعار المشتقات النفطية والغاز الطبيعى بنسب تراوحت بين 11 إلى %122 قبل أن تقوم بزيادتها فى نوفمبر الجارى بنسب تراوحت بين 30 إلى %47. وتبع ذلك تحرير سعر الصرف وتعويم العملة المصرية، وهو ما يؤدى بالتأكيد إلى زيادة فى الأسعار مع تراجع القيمة الشرائية للجنيه بما يعنى، بلغة الاقتصاد، زيادة التضخم المتوقع ارتفاعه إلى %17 العام المقبل.
التكلفة الاجتماعية للقرارات الاقتصادية الصعبة للحكومة، والتدابير والاجراءات التقشفية، تكلفة صعبة أيضا، لأنها بطبيعة الحال ستؤدى إلى تآكل دخول الأفراد وزيادة معدلات الفقر وارتفاع معدلات البطالة.
هنا.. الناس «الصابرة» والفاهمة والمستوعبة تنتظر هدايا من الحكومة مكافآة على صبرها وهذه الهدايا لا يجب أن تتأخر أكثر من ذلك.. والحكومة مطالبة فى الوقت الراهن أن تكشف عن «هداياها» للشعب بحزمة برامج حماية اجتماعية أكثر عدالة وكفاءة اقتصادية تنحاز انحيازا صريحا وواضحا للفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، من أجل احتواء الآثار السلبية لبرامج الإصلاح.
ولا أعرف سبب تآخر الحكومة عن إعلان الهدايا فى تحسين مستوى المعيشة والخدمات وبرامج الحماية وتوفير فرص العمل وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة وسرعة تشغيل الشركات والمصانع الحكومية التى كانت توفر الغذاء والكساء بأسعار منخفضة، أرجو آلا يتأخر المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء عن إعلان هدية الحكومة للفئة الصابرة من الناس على القرارات الصعبة.