فى روايته المميزة «شوق الدرويش» يحكى الكاتب السودانى حمور زيادة عن أثار الثورة المهدية الشهيرة فى السودان فى نهاية القرن التاسع عشر، التى قام بها شخص يسمى محمد أحمد المهدى واتبعه الكثيرون، وخاض حربا ضد جيش الاحتلال الإنجليزى لكن بعد موته خسرت دعوته وبارت.
ومنذ أيام قليلة أثار ادعاء محمد عبدالله نصر، الشهير بالشيخ ميزو، بأنه المهدى المنتظر ضجة واسعة فى المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعى، واتفق الجميع على كذبه، هذا مع أنه سارع وأكد أن المقصود من ادعائه كشف التراث ومحاربة هذه الأفكار، لكن الطريقة التى لجأ إليها كانت خاطئة بالطبع.
وعلى العموم فإن التاريخ ممتلئ بمدعى المهدوية حتى أننى عددت قرابة 33 اسما أعلنوا أنفسهم بأنهم المهديون المنتظرون فى التاريخ الإسلامى وأن دورهم هو ملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جوراً، وسعيهم هو تحقيق الخير فى هذه الأرض، ومعظم هؤلاء المدعين لم يسمع أحد عنهم من قبل ووصفهم الناس بالجنون والخبل المتأصل.
والناس اهتموا بالشيخ ميزو لأنهم يعرفونه، ويعرفون آراءه الغريبة المختلفة، ومع ذلك المتأمل فى هذه الحكاية سوف يدرك أشياء كثيرة من ردود الفعل التى واجهها الشيخ ميزو، أولها أن الناس بوجه عام لن يصدقوا بوجود مهدى يساعدهم، لأنهم وصلوا ليقين أن شخصا واحدا مهما أوتى من قوة لن يستطيع أن ينقذ هذا العالم الخراب، فلقد أصبحت فكرة الرجل السوبرمان شخصية تصلح للسينما ولا تصلح للحياة.
كما أن تصور الناس عن المهدى المنتظر، رغم أنه سيأتى فى المستقبل، لكنهم يتوقعون مجيئه فى إطار تاريخى، بمعنى أن يظهر بينما العالم مشتعل بالحرائق والخيول والسيوف تملأ المشهد، أى أنهم يحتفظون فى أذهانهم بصورة تاريخية للتصور، ولا يتوقعون أبدا أن يبدأ رسالته بإعلان على الفيس بوك.
جانب آ خر مهم، ويبدو لى جانبا إيجابيا نوعا ما، فالناس يعتقدون أن مجىء المهدى المنتظر سوف يتزامن معه وجود المسيخ الدجال وسوف يعقبه نزول المسيح عيسى بن مريم وبعدها سوف ينتهى العالم، وهم على قسوة هذه الحياة لا يريدون أن ينتهى العالم، وأن تطوى هذه الصفحة للأبد، لذا يعرفون جيدا أن اعترافهم بالخطوة الأولى سوف تتبعها خطوات ثانية وثالثة هم لا يريدونها أبدا، وعليه فسوف يعانى كل من يقول بأنه المهدى المنتظر الأمرين من الرافضين، والدليل على ذلك أن الكتب القديمة والإسرائيليات تقول بأنه قبل مجىء المسيح عيسى بن مريم كان اليهود ينتظرون مسيحا لينقذهم مما هم فيه وأن 17 شخصا ادعى أنه المسيح المنتظر وتم قتلهم بعد اتهامهم بالكذب والادعاء، حتى بعدما جاءهم عيسى بالبينات أنكروه وطالبوا بقتله، فقط لأنهم يعرفون أن فى مجيئه نهايتهم.