«الذين لا يعملون يؤذى نفوسهم أن يعمل الناس»، كلمة لعميد الأدب العربى كان يقصد بها بعض الهاموش الثقافى ممن كانوا يفتقدون القدرة على مناقشته فيهاجمون كل عمل له ويكيلون له الاتهامات. وكان طه حسين قادرا على خوض المعارك الفكرية فى مواجهة مفكرى عصره ممن اختلفوا معه، لكن هؤلاء يختلفون عن «الهاموش» ممن ليس لديهم أفكار، ينتظرون عمل عميد الأدب ليبدأوا عملهم فى مهاجمته، وهذه النوعية اتسعت لتمثل متنا فى الحياة الثقافية والسياسية بعد أن كانوا مجرد هامش، بعض سكان الحياة الثقافية ممن ليس لدى أحدهم سوى إلقاء التراب على أى عجين، لا ينتج الواحد منهم شيئا ذى قيمة، لكنهم متفرغون لمهاجمة ما يقدمه غيرهم.
مثلا جريدة القاهرة نشرت ملفا عن الروائى الكبير صبرى موسى، الروائى والقاص الكبير شفاه الله صاحب روايات «فساد الأمكنة» وحادث النصف متر، والسيد من حقل السبانخ»، وأحد أصحاب البصمات الأدبية المهمة، وحسنا أن تذكرته القاهرة لتقدم عنه ملفا، وطبيعى أن تعجب هذه الجهود البعض، أو لا تعجبهم، لكن بعضهم اكتفى بتوجيه الشتائم، من دون أن يشرح مبرراته للرفض أو القبول، الملف يمكن الاختلاف والاتفاق حوله ولكنه ليس بالسوء الذى يتحدث عنه «العمقاء»، ويمكن بدلا من إنكار جهد الآخرين أن يقدم صاحبنا ملفا، كما ينبغى بدلا من البقاء فى رد الفعل، لكنه لم يفعل ولم يترك الآخرين يفعلون، شتم ووراء جوقة ممن لم يقرأوا ولم يعرفوا شيئا عن الموضوع، وهؤلاء متوفرون للمجاملة الشتائمية على صفحات التواصل، أو الانتظار لتصفية حسابات أو التنفيس عن كبت مختزن.
ظاهرة إلقاء التراب، ليست جديدة، لكنها كانت دائما تمثل هامشا، وأصبحت الأصل، واحد يهاجم زميله، لأنه أجرى حوارا مع فلان وهو لا يحبه، ولا يكتفى بالانتقاد ولكن يشتم ويحرض على الشتم، ومن حق أى شخص أن يكره أو يحب، وما عليه إلا أن يحول القناة أو يستخدم الريموت، أو يكتب شيئا مفيدا بدلا من البقاء متطفلا فى مستنقعات الفراغ النفسى.
هذا «الهلام الهاموشى» الذى أشار إليه عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين عمن لا يعملون ويغضبهم أن يعمل الآخرون. وغالبا لا يرد لهم ذكر ولا وجود، وربما الأسهل لهم أن يقدموا عملا بدلا من «الاستفراغ الافتراضى»، عادة وصلت لأن يفرغ كاتب ومفكر كبير مقالا فى صحيفة كبرى للهمز واللمز ضد تكريم كاتب راحل هو يراه لا يستحق، خالطا بين النقد والرأى وهو مرض يكشف عن فيروس يصيب «طفيليات الهاموش العميق».