دُفنت الرحمة فى مقابر القسوة، وانتحرت القيم فى زمن الطفح الأخلاقى، وأتصور أحيانا أننا فى غابة يسيطر عليها وحوش، وكيانات يرتدون ملابس البشر، وتدارى حيوانات شرسة بلا قلب ولا عقل ولا ضمير، وإلا بماذا أفسر قيام مشرفة دار «جنة الخير» للأيتام، بإجبار أربع فتيات صغيرات، بالجلوس على سخان كهربائى أو جسم مشتعل، مما أدى لإصابتهن بحروق فى أماكن حساسة، ولمن لا يعلم فالسخان هو ذلك القرص البدائى، ذات السلك اللولبى، الذى يتحول إلى كتلة لهب بعد توصيل الكهرباء.
لو كانت المشرفة ومعاونيها فى بلد آخر لحكموا عليها بالإعدام أو السجن مدى الحياة، لأن الجريمة بهذا الشكل تخرج عن نطاق العقل والمنطق، وتقترب من الانتقام الدموى المجنون، الذى يفتقد النوازع الإنسانية، فما بالنا بصغيرات يتيمات لا حول لهن ولا قوة، ووقعن تحت سيطرة وسادية وجبروت، حيوانات بشرية ضارية، يطربهم أنات العذاب وألم الوجع وذل الاستغاثة، فلا عقل يفكر ولا قلب يرق ولا ضمير يهتز.
إحنا فين بالضبط، فى مصر الرحيمة التى تكره العنف وتعشق التسامح، وترفض الظلم والتسلط والوحشية، أم فى بلد آخر غير بلدنا الذى نعيش فيه، وهل مشرفة الدار ومن معها من نفس جنسنا، ويعيشون بيننا ويسكنون بالقرب منا ويذهبون إلى الأسواق؟ ومن الذى منحهم حق إهدار الحياة والكرامة وسلامة الجسد، فاستباحوا صغيرات بأبشع الطرق وأحط الوسائل، أليس للمشرفة المتوحشة بنت أو قريبة فى نفس سنهن، ألم تفكر يوما ماذا تفعل إذا كانت الضحية ابنتها أو ابنه أختها؟
يا من تفعلون الخير، لا تفعلوه إلا إذا تأكدتم أنه يذهب للخير، ولا تتبرعوا لدور تعذيب الأطفال والتنكيل بهم، وإذا كانت الصدفة البحتة هى التى تكشف جرائمهم، فكم كارثة تُرتكب فى الخفاء وتدفن فى طى الكتمان، وكم من طفل معذب يضيع صوته ولا يسمعه أحد؟ وهل كُتب على هؤلاء اليتامى أن يشربوا كؤوس العذاب مرتين، من أسرهم الذين رموهم، ومن مرضى ساديين ينفثون فيهم عقدهم؟
ليس وطنيا الذى كنت أعرفه، وليسوا أبناء بلدى الطيبين، الذين انقلب بعضهم إلى شياطين، ولا ينفع مع مثل هؤلاء السفاحين ردع العدالة البطيئة.. ويا ريت كان فى القانون المصرى عقوبات المثل، لتذوق المشرفة المتوحشة نفس العذاب عندما يجلسونها فوق سخان كهربائى ملتهب.