أنا من الجيل الذى عرف منذ دراسته فى المرحلة الثانوية، فى بداية الثمانينيات، معنى العسكرية المصرية بكل ما تعنيه من قيم الشرف والرجولة والتضحية ومعانى الانضباط والالتزام، فى تلك الفترة وقبلها انتشرت فى محافظات مصر المدارس الثانوية العسكرية، وربما جميعها حمل اسم الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، وفى إحدى هذه المدارس فى دسوق التحق جيلى بمدرسة جمال عبدالناصر الثانوية العسكرية.. داخل المدرسة الذى تولى قيادتها عسكريا أحد أبطال حرب أكتوبر، وهو المقدم عبدالعال الطوخى، مع عدد من ضباط القوات المسلحة. كل القواعد العسكرية التى عرفناها بعد ذلك فى فترة التجنيد الإجبارى، طبقناها أثناء سنوات الدراسة الثانوية بداية من الزى العسكرى الموحد للطلبة، وطابور الصباح العسكرى، والتدريبات العسكرية على قواعد ضرب النار وحتى حصص التربية العسكرية الأسبوعية.
فى تلك المرحلة، كان الغرض هو تنمية وعى وتربية وجدان جيل الشباب الصغير على معانى الوطنية، والانتماء الحقيقى المتجسدة فى العسكرية المصرية، التى كانت خارجة للتو وعلى بعد سنوات قليلة- 7 سنوات تقريبا- من أعظم انتصار عسكرى فى تاريخها فى أكتوبر 73، ورأى جيل كامل بعينه نماذج من أبطال المعركة يسيرون بينهم ويحكون لهم قصص البطولة والتضحية والفداء، زملاء الدراسة فى تلك الفترة كانوا يتباهون بالزى العسكرى لأنه يمثل قيمة حقيقية داخلهم، وانعكس ذلك على السلوك الدراسى، رغم طبيعة هذه المرحلة العمرية الحرجة وعلى السلوك خارج المدرسة.
كانت هذه المدارس هى المرحلة التمهيدية قبل فترة التجنيد، فلم نشعر بفارق كبير، فالعقيدة واحدة والقواعد والمبادئ واحدة، وساهمت هذه المدارس فى تخريج أجيال أدركت معنى الوطنية المصرية والعروبة فى مدرسة العسكرية الوطنية، وكانت حصنا معنويا ضد أية محاولات بائسة للتحريض ضد مصر أو ضد جيشها.
للأسف لم يتبق من هذه المدارس سوى اسمها فقط، وشاهدت ذلك بنفسى عند زيارتى لمدرستى الثانوية العسكرية، فلم تعد تحمل سوى الاسم فقط، وتم تجزئتها إلى أكثر من 3 أو 4 مدارس، واختفى فناء المدرسة الذى كنا نتدرب فيه، ونمارس باقى الأنشطة العسكرية والرياضية.
أين ذهبت هذه المدارس، وكيف تخلت عاما بعد آخر عن «العسكرية»، وهل كان ذلك مقصودا؟