لا أدرى ماذا يمنع الحكومة المصرية من اتخاذ موقف واضح ومعلن من التصرفات الاستفزازية التى يمارسها النظام القطرى، بشكل واضح ومتعمد ضد مصر، والاستمرار على ذات الموقف الباهت الذى لا يرتقى إلى مواقف الدول القوية ذات السيادة، والتى تستطيع الرد على من يعتدى أو يتدخل فى شئونها الداخلية، وترك الأمر لإدارة وسائل الإعلام، وتطاول المشككين.
ما أخشاه أن يتسبب التقصير الرسمى فى كشف المواقف والمؤامرات القطرية لقلب الصورة أمام العالم الخارجى، وتتحول الدولة المصرية فى أنظار العالم الخارجى إلى "كاذبة" تصف (قطر الوديعة) المسالمة بما ليس فيها، على ذات نسق البيان الذى أصدرته الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجى الذى صدر منذ عدة أشهر، والذى استنكر وبشدة الاتهامات الذى وجهها مندوب مصر فى الجامعة العربية لقطر برعاية الإرهاب، ووصف الاتهام بأنها عارية تماما من الصحة .. فى الوقت الذى لم تعلق أى من دول المجلس على مضمون البيان ـ وهو ما يؤكد موافقتها على كل ما جاء فى مضمونة ـ
ولعل الغريب فى أمر الموقف الرسمى المصرى، أنه منذ أن بدأت الشرارة الأولى لثورة الـ 30 من يونيه، والإعلام المصرى لم يتوقف يوما عن لعن قطر، والدور القطرى الداعم للإرهاب، وعن مؤامرة قطرية لزعزعة الاستقرار وتهديد أمن البلاد داخليا وخارجيا، ووصل الأمر إلى حد توجيه أجهزة الإعلام المصرية اتهاما مباشرا للدولة القطرية ولـ"قناة الجزيرة" ببث وقائع تفجيرات خطيرة وقعت فى سيناء، وراح ضحيتها العشرات من الشهداء، على الهواء مباشرة
وتكرر الموقف عندما نشرت أجهزة الإعلام المصرية، نقلا عن مصدر أمني بوزارة الداخلية، أن قناة الجزيرة القطرية بثت خبر انفجار عبوة ناسفة أمام الشهر العقاري خلف محكمة مصر الجديدة قبل وقوعه بدقيقتين، دون أن يخرج مسئول رسمى أيضا ليؤكد أو ينفى حقيقة تلك المؤامرات التى ترتقى إلى درجة العداء
وحتى بعد الفيلم الوثائقى التى بثته قناة الجزيرة، والذى يحرض بشكل واضح وصريح على القوات المسلحة، لم يخرج مسئول مصرى رسمى واحد للتعليق، وترك الأمر كاملا لهجوم وسائل الإعلام
المؤكد أن قطر دولة متأمرة وراعية للإرهاب، وتكن كل الكره والعداء لمصر، إلا أن الصمت الرسمى غير المبرر على كشف مثل هذه المؤامرات بالدلائل والبراهين، وإعلان موقف مصر من العلاقات بين البلدين، وترك الأمر للإعلام، يضع كثيرا من علامات الاستفهام داخليا، وينعكس بشكل سلبى على صورة مصر خارجيا
أرجو أن يخرج وزير الخارجية، أو حتى المتحدث باسم الخارجية، ويعلن على الملأ دلائل وبراهين المؤامرة القطرية، والموقف الرسمى المصرى من تلك الدولة، وكشف الأمر أمام العالم، ودول مجلس التعاون الخليجى، والشعب المصرى، وإضاح الصورة للمتشككين من انصار جماعة الاخوان وغيرهم، وليس ترك الأمر بتلك الميوعة، بين استدعاء السفير للتشاور، أو حظر السفر لمن هو أقل من 40 عاما، وغيرها من الإجراءات التافهة التى لا تعكس مواقف حاسمة تتعلق بالأمن القومى المصرى
فما أعرفه أن الدول إما "صديقة" ونحتفظ معها بعلاقات طبيعية، أو "معادية" لأسباب معلنة، وفى الحالة الأخيرة لابد ألا تتسم المواقف بالميوعة والتوارى وراء الإعلام، ولكن مواقف ترتقى إلى مواقف الدول المحترمة ذات السيادة التى تستطيع الرد وحسم المواقف، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بالأمن القومى للبلاد، وإلا سيصبح الموقف الطبيعى للدولة المصرية أمام العالم، أنها دولة كاذبة تصف (قطر الوديعة) بما ليس فيها