نحن مقبلون على أزمة حريات خانقة، هى بالضرورة ضد المصالح العليا للبلاد وضد الازدهار المرجو لها، وتعكس عدم إدراك نواب البرلمان لمظاهر القوى الحقيقية فى المجتمع المصرى والدولة، وفى مقدمتها القوة الناعمة، قوة الإبداع والمبدعين فى كل المجالات، فالسادة نواب الشعب لا يدركون للأسف الشديد تاريخ النفوذ والتأثير المصرى فى المحيط العربى والأفريقى والدولى وكيف تحقق ووفق أى شروط؟
وهنا نسأل نواب الشعب الذين رفضوا إلغاء مادة ازدراء الأديان ومواد الحبس فى جرائم النشر، هل تحققت النهضة المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين عبر الغزو العسكرى مثلا، أم عبر طفرة نفطية كانت عائداتها بمليارات الدولارات، أم عبر الفن الشعر والرواية والسينما والمسلسلات التلفزيونية والمسرح وثقافة الأساتذة المصريين فى المدارس والجامعات سواء فى مصر أو فى إعاراتهم للدول العربية والأفريقية؟
مصر لم تكن يوما دولة توسعية عدوانية، ولم تكن دولة ريعية تعتمد على النفط والثروات الطبيعية لتحقيق الطفرة المدنية الحديثة، ولكنها كانت دائما دولة عظمى فى التحضر والتمدن، فى القانون والثقافة والإبداع والحريات والتعليم، وهذه القوة هى التى مكنتها من أن تكون مركزا إقليميا وعالميا مشعا، حتى رغم ارتفاع نسبة الفقر ومستوى المعيشة، وهذه القوة هى التى مكنت بلدنا من أن تكون غازية لا مغزوة ثقافيا وإبداعيا طوال عقود قبل أن تحدث الانتكاسة فى 1967 ومعها انتكاسة الحلم والانكسار الثقافى الذى دفع البعض منا إلى الهروب إلى ثقافات التخلف الوهابية وما تلاها من موجات التطرف.
للأسف الشديد، أصبح لدينا قيادات فى جميع المجالات تعزز ثقافة التخلف التى تدمر فرص مصر فى أن تعود مركزا للحضارة يسود فى المنطقة والعالم، والمتأمل لعدد النواب فى اللجنة التشريعية الذين صوتوا على رفض حذف مواد الحبس على الاجتهاد وتطوير الخطاب الدينى أو إلغاء مواد الحبس فى قضايا النشر، لابد أن يفزع ويحزن، 21 نائبا باللجنة التشريعية رفضوا إلغاء عقوبة الحبس فى جرائم النشر مقابل 6 نواب فقط وافقوا، كما رفض 20 نائبًا مقترح النائبة آمنة نصير بإلغاء الفقرة من المادة 98 من قانون العقوبات، الخاصة بازدراء الأديان وموافقة 3 نواب فقط.
يعنى ذلك باختصار أننا لا نحترم الدستور ونتحايل عليه بالقوانين القديمة التى تعزز القمع والتخلف، كما يعنى أننا نطلق النار على أنفسنا بمنع تهيئة المناخ لأية نهضة مستقبلية، استنادا إلى عناصر القوة الحقيقية التى نملكها، ويعنى ذلك ثالثا أننا نخدم سياسات الدول المتخلفة ونمكنها من عقول أبنائنا ووجدانهم لسنوات.. وللحديث بقية.