قلنا مرارا وتكرارا إن المسؤولين عن الثقافة فى مصر لابد، أن يدركوا أولا وقبل أى شىء آخر أنهم يديرون وزارة سيادية، لأن عناصر القوة الحقيقية المصرية تبدأ وتنتهى بالثقافة والإبداع، والنفوذ والتأثير المصريان فى المحيط العربى والإقليمى وربما العالمى، لا يتحقق إلا من خلال عناصر الثقافة والإبداع، كما أن الاضمحلال فى التأثير والنفوذ المصريين لم يحدث إلا لغياب مناخ الإبداع من السينما إلى الشعر ومرورا بالوسائط الثقافية الأخرى وانتهاء بصناعة النشر.
ورغم هذه الحقيقة التاريخية التى يجب تدريسها فى معاهد إعداد القادة والمسؤولين، لا يرتفع معظم من يتولون المناصب الرئيسية بوزارة الثقافة وما يرتبط بها من وزارات ومؤسسات وهيئات حكومية، إلى مستوى هذه الرؤية أو حتى يقتربون منها، والنتيجة ملفات بعناوين براقة يديرها موظفون مساكين فيفسدونها من حيث هم يريدون الإصلاح، لأنهم لا يدركون الفرق بين الاتباع والإبداع وبين الهوجة التى تبدو فى المؤتمرات وتأثير الفعاليات الجادة داخليا وخارجيا.
خذ عندك مثالا واحدا فقط، هو ملتقى الشعر العربى بالقاهرة الذى تم إعلان جوائزه مؤخرا، بعد فاصل من المسخرة والارتباك والخلافات السرية والعلنية بين المشاركين ولجنة الشعر وبين وزارة الثقافة وإدارة الملتقى وبين إدارة الملتقى ولجنة التحكيم، دون أن يدرك أحد لا فى الوزارة المعنية ظاهريا بالثقافة أو لجنة الشعر المحنطة أو المجلس الأعلى للثقافة الغائب غيبة المهدى، أنهم يسيئون كثيرا لصورة مصر الثقافية من حيث يحسبون أنهم يتحركون بها إلى الأمام، ويحاولون استعادة مركزية غائبة ونفوذ ثقافى مفقود!
لا يدرك الأشاوس فى وزارة الثقافة أن دورهم هو خلق مناخ حقيقى للتفاعل الثقافى يدرك التيارات الحية فى جميع المجالات الإبداعية، فيدعمها ويساعدها على النمو والتأثير داخليا وخارجيا، ولا يستطيعون فهم الاعتذارات المتوالية من كبار الشعراء العرب، لماذا اعتذر سعدى يوسف؟ ولماذا اعتذر عباس بيضون بكلمات دالة شديدة الوقع «لا أستطيع المشاركة فى مسرحية مكتوبة سلفا»؟ ولماذا اعتذر قاسم حداد وسيف الرحبى؟ ولماذا ولماذا، دون أن يدرك هؤلاء المتكالبون على مصالحهم الضيقة ومكاسبهم الشخصية فى لجنة الشعر أنهم عراة ويعرون الشعر المصرى، ودون أن يدرك موظفو وزارة الثقافة أنهم، عندما يستسلمون للمفلسين وكائنات ما قبل التاريخ، إنما يطلقون النار على أنفسهم!
وللحديث بقية