لا يزال الأمل يسكن فى قلوبنا، واليأس لم يتمكن بعد من امتلاك أرواحنا، وفى كل يوم يمن الله علينا بشىء يدفعنا للأمام، آخر هذه الأشياء وجود طائفة من الشباب المصرى الممتلئة روحه بالفن والجمال، والرغبة القوية فى نشر الإبداع، والجرأة اللازمة ليقدموا أنفسهم بالشكل الحقيقى الذى يحبون أن يكونوا فيه، والدليل الفنانة خلود عبدالمنعم.
وخلود عبدالمنعم طالبة سكندرية فى الصف الثانى الثانوى تبلغ من العمر 17 سنة، توقف الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، أمام لوحة لها فى افتتاح صالون الشباب فى دورته الأخيرة، الذى تم افتتاحه منذ أيام قليلة، وأشاد بها وبلوحتها، وطالب بمنحها جائزة خاصة فى الصالون.
أما اللوحة التى أبهرت الوزير فكانت صورة تجمع بين تمثال للزعيم سعد زغلول والبحر والقلعة فى الإسكندرية، وهذا أمر عادى، لكن الفارق كان فى الرؤية المختلفة التى رأت بها خلود التمثال، حيث جعلته، مستخدمة مرآة، يغير وجهة نظره واتجاه رؤيته، بحيث أعطت انطباعا بأن الزعيم سعد زغلول غير وجهة نظره القديمة فى الإسكندرية وأصبح متيما بالمدينة بعد أن كان أهل الإسكندرية يعتقدون أن مفجر ثورة 1919 لم يكن يحب مدينتهم، هذا الوعى المستقبلى الذى تنطلق منه خلود فى فنها هو ما أعجب حلمى النمنم وأعجب المتابعين أيضا.
أشاد حلمى النمنم بخلود وفنها ورؤيتها، لكن على المؤسسات أن تفعل أكثر من الإشادة، أن تبدى الكثير من الاهتمام بمثل هذه الموهبة وغيرها شباب كثير سيغيرون صورة مصر ويراهنون على مستقبل أفضل لهم فى كل المجالات. على هذه المؤسسات أن تعرف أن المدارس والجامعات مسكونة بالمبدعين فى كل شىء، لو استطعنا أن نصل إليهم، وقدمنا لهم الدعم البسيط والتشجيع اللازم ومنحناهم الفرصة لممارسة ذلك الإبداع، سوف يكبر الأطفال وهم قادرون على قول كلمتهم الجميلة ونشر موسيقاهم البديعة وتزيين الشوارع بلوحاتهم المبهجة القادرة على رفع روحنا المعنوية لمواجهة قسوة الحياة.
هناك ملايين من خلود عبدالمنعم يحتاجون إشادة من وزير الثقافة، لكنهم لا يمتلكون جرأتها وقدرتها، وعلى قصور الثقافة أن تجتهد فى البحث عنهم واستخراجهم من خجل أنفسهم ومن سخرية زملائهم ومن استهتار مدرسيهم ومن استنكار آبائهم، وأن تشعر الجميع بأن هؤلاء هم مستقبل الوطن.
شكرا لخلود عبدالمنعم بضحكتها الجميلة ولقدرتها على لفت انتباه الوزير وسط نحو 200 فنان مشاركا فى الصالون، وشكرا لها لإيمانها بنفسها وموهبتها، وسعيها للمشاركة وسط شباب يفوقونها خبرة لكن لا يفوقونها موهبة.