لا أدرى إلى متى ستستمر الحكومة تعمل بسياسات التوازن والمواربة، وعدم القطع بقرارات صارمة ترضى الرأى العام، وتهدف بشكل مباشر وصريح لصالح الاقتصاد القومى، دون ترك مجال للتشكيك فى ما وراء القرار.
فمنذ أيام أصدر رئيس الوزراء، قرارًا يقضى بزيادة الرسوم الجمركية بقيمة 60% على عدد من السلع المستوردة، وعلى الرغم من حالة التشنج التى أصابت البعض، بحجة أن القرار يمس المواطن الفقير، إلا أننى أرى أن الحكومة كانت "غير منصفة" فى فرض تلك القيمة، ولولا أنها تعمل بيد مرتعشة لاتخذت قرارًا بزيادة تلك الرسوم إلى 500% أو منعت استيرادها من الأصل، لأننا لسنا فى حاجة إلى أى منها وجميعها تمس طبقة مرفهة من المصريين.
فلا أدرى ما الغضب من رفع التعريفة الجمركية على سلع مستوردة لا يشتريها سوى طبقات بعينها وبأسعار باهظة للغاية؟ مثل "الموز، والأناناس، وأفوكادو، والجوافة، والمانجو، والبرتقال، واليوسفى، والمشمس، والخوخ، والبرقوق" فى حين أن مثلها المحلى يباع بالأسواق بسعر 5 و7 جنيهات للكيلو.
وقد شملت قائمة السلع التى تمت زيادة الرسوم الجمركية عليها طبقًا للقرار الجمهورى إلى جانب السلع السابقة "لبان المضغ، ومسحوق الكاكاو، والخبز المقرمش، والمعجون بالزنجبيل، وما شابهه، والبسكويت المحشو، والفواكه الحمضية، والكرز، والفراولة، وعصير الطماطم، والتوت البرى، والمثلجات كالآيس كريم، والعطور، والشامبو، والمساحيق ومستحضرات تجعيد الشعر، والعناية بالأسنان، ومزيلات الروائح الجسدية، وأملاح الحمام المعطرة، والثقاب، وأدوات المائدة والمطبخ، وأقنعة الوجه الكمامات، وأحذية التزلج، وأغطية الأرضيات والجدران، والجرانيت، والزجاج الملون، وأجهزة استقبال الريسيفر، ولمبات الفلورست العادية والمضغوطة، وأقلام الحبر الجاف والسائل والرصاص وغيرها".
أعتقد أنه لا خلاف على أن تلك السلع جميعها يمكن الاستغناء عنها بالكامل، دون أن تتأثر مصر أو يضار مواطن فقير من اختفائها، وأن قرار مجلس الوزراء جاء خاطئًا وكان يجب أن يكون "منع الاستيراد" وليس زيادة التعريفية الجمركية، ولو أحسن مجلس الوزراء خلال الفترة المقبلة، وكان لدية إرادة حقيقية لتوفير الدولار لاستيراد السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج، لـ"منع استيراد" تلك السلع، ومعها كل السلع الاستفزازية، من الياميش والمكسرات، وفوانيس رمضان، والآلاف السلع الصينية الرديئة التى تملأ الأرصفة المصرية.
الأرقام تؤكد أن حجم وارداتنا سنويًا يتراوح ما بين 50 إلى 60 مليار، وهو رقم ضخم ومخيف للغاية، وأن الواقع يقول: "إنه فى ظل الظروف غير الطبيعية التى تمر بها البلاد، ألا تسمح الحكومة باستيراد "مياه معدنية فرنسية، وأكل قطط وكلاب، وشيكولاتات، ومشروبات روحية" بمليارات الدولارات، فى الوقت الذى تعجز فيه شركات الأدوية عن استيراد المواد الخام لتصنيع مئات الأنواع من الأدوية بسبب عدم قدرتها على جمع الدولار، وتعانى البلاد من أزمة نقص سلعة اساسية مثل السكر".
ولكن العقل يقول: "أنه على رئيس الوزراء وأفراد حكومته أن يستوعبوا، أنه من الإيجابيات المحدودة للغاية لقرار تعويم الجنيه، أنه رفع القدرة التنافسية للمنتج المحلى فى مواجهة السلع والخدمات المستوردة التى ارتفعت أسعارها، مقارنة بالسلع والخدمات المحلية، وهو ما يجب أن يقلل بطبيعة الحال من الواردات، ويساعد على تحسين الميزان التجارى، الذى وصل عجزه خلال الشهور الأخيرة إلى نحو 50 مليار دولار.
أدعو رئيس الوزراء وكامل حكومته، إلى قطع الشك باليقين فى كل قراراتهم، والبعد عن القرارات المرتعشة وسياسة "الباب الموارب" والبدء على الفور فى منع استيراد كل السلع التى لا حاجة لنا بها، وعدم إرهاق الدولة والمواطن بعشرات المليار من الدولارات، التى جعلت الحكومة تلجأ إلى خفض سعر الجنيه فى مقابل الدولار من 7 إلى 18 جنيهًا، وتحميل المواطن الفقير ما لا يطيقه.