الكمائن معلومة ومعروف أماكن وتوقيت وجودها يوميا.. فكيف نطلق عليها كمينا؟
إذا كتبت على مؤشر البحث الأشهر «جوجل» على الإنترنت، تعريف للكمين الأمنى، سيذهب بك إلى «ويكيبيديا»، لتجد التعريف التالى: «الكَمِين هو عملية اختفاء مجموعة قتالية وقيامها بترصد هدف معادى متحرك أو ثابت لفترة قصيرة من أجل مهاجمته بشكل مفاجئ ومنسق انطلاقاً من مكان محمى ومحصن، مستفيدة من غزارة النيران ومزايا المكان وعنصر المباغتة».
وإذا طبقنا هذا التعريف على الكمائن الأمنية فى مصر فستجدها «سمك لبن تمر هندى»، فالكمائن معلومة ومعروف أماكن وجودها يوميا، ويمكن لأى مواطن بسيط، غير متعلم، أن يضع خريطة كاملة عن أماكن الكمائن الأمنية، ووجودها فى نفس المكان «بالسنتيميتر»، وفى نفس الميعاد، ومن ثم فإنها فقدت معناها، وصارت أمرا معلوما بالضرورة، وليس كمينا، ويمكن لأى مجرم أن يهرب من السير فى شارع ما، بعد الساعة 12 ليلا، لأن هناك كمينا يقف هناك، ويمكن أن يكون «الكمين» هدفا سهلا لأى جماعة إرهابية أو مجرمة، للانقضاض عليه.
وكنت قد كتبت سلسلة مقالات عن «الكمائن الأمنية الشرطية، كان آخرها مقال تحت عنوان «الكمائن الأمنية.. سمك لبن تمر هندى» نُشر يوم السبت، 07 فبراير 2015، وسبحان الله ما حذرت منه منذ ما يقرب من عام، حدث بنفس التفاصيل فى كمين الهرم صباح أمس الجمعة، لذلك أعيد نشره من جديد، وإلى نص المقال:
طريقة ونظام عمل الكمائن الأمنية بشكل عام، والشرطية بشكل خاص، تدعو للأسى والحزن، وبمجرد مرورك على أى كمين، ثابت، أو متحرك، تُصاب باليأس، والإحباط، عندما تجد الجنود، والضباط يتصفحون صفحات الفيس بوك، وتويتر، ويعلقون بنادقهم، على أكتافهم، أو يجلسون يتسامرون، دون إدراك حقيقى لحجم المخاطر التى تحاك ضدهم، والتهديدات الصارخة، والعلنية، بقتلهم.
الكمائن الأمنية فى كل ربوع مصر تعمل بطريقة «سمك لبن تمر هندى»، وبدلا من أن يضعوا عيونهم فى وسط رؤوسهم، ويعلمون أن الموت يهددهم، يجلس بعضهم يتصفح مواقع التواصل الاجتماعى، ويتحدث مع أهاليهم، وأصدقائهم عبر الدردشة «الشات»، والبعض الآخر يجلس ثقيلا ومتثائبا، وينظر فى ساعته، كل 5 ثوان، يتمنى أن ساعات الخدمة تنتهى سريعا.
أما الفريق الثالث، فيجلس أمام القنوات الفضائية لمتابعة مباريات كرة القدم، خاصة لو كانت هذه المباريات بين قطبى الكرة المصرية الأهلى والزمالك.
الكمائن أيضا تعمل، بدون خطط أو تدريب جيد، أو تجهيزات، ولا يحمل أفرادها أسلحة متطورة، وإذا عدنا بالذاكرة للوراء، وتحديدا منذ حادثة رفح الأولى، مرورا بكل الحوادث فى المحافظات المختلفة، وسيناء تحديدا، فإننا نلاحظ أن معظم الحوادث التى تم تنفيذها ضد الكمائن والنقاط الأمنية، بطريقة واحدة، وكأنها صورة مكررة طبق الأصل، مع الاختلاف فقط فى «التفنيش أو بعض الرتوش».
الحقيقة المرة أن كمائن الثأر التى تشكلها القبائل والعائلات المتناحرة فيما بينها فى الصعيد الجوانى، أكثر تأمينا، وتنظيما، وقدرة على اقتناء الأسلحة الحديثة، وأنا أتعجب كيف لكمين أمنى يتحصن وراء «دشمة» وفوق أبراجه، لا يستطيع صد هجوم أفراد قادمين من بعيد، فى العراء، كل مقوماتهم أنهم مسلحون، ويستقلون سيارات دفع رباعى، وأسلحة، وهناك قاعدة شهيرة، تنطلق من عمل الكمين الصعيدى الذى يطلق عليه اسم «الرباط»، إن الفرد المسلح فى كمين محصن يستطيع إبادة العشرات فى العراء، مهما كان حجم ونوعية تسليحهم!!
مطلوب، من الأجهزة الأمنية، أن تسارع إلى تغيير استراتيجية عمل الكمائن الأمنية، وأن الأصل فى الكمين «المفاجأة» لذلك تثبيتها يوميا وفى نفس الأماكن، أمر مضحك، ولا يمكن تسميته «بالكمين»، فكيف نسميه كمين، والقاصى والدانى، يعلم مكانه وتوقيته؟ بجانب ضرورة تعميق مفهوم، الحذر الشديد، ورفع درجة التأهب إلى القصوى، وسحب كل الموبايلات «السمارت فون» من جميع أفراد الكمين، لمنعهم من الدخول على شبكة الإنترنت، لأن تليفونات الأندرويدش خطر داهم وحقيقى على حياة جميع أفراد الشرطة، وتعميق مفهوم أن أفراد الكمين ليسوا فى نزهة خلوية، أو لديهم رفاهية «السرحان والانشغال» بأمور أخرى، لأن الموت يترصدهم، على يد جماعة، لا تعرف إلا الخسة والحقارة، نهجا وسلوكا.