لم أجد إجابة محددة خلال حوارى مع أحد أشد المتحمسين لقانون العدالة الانتقالية، ورأيى أنه غامض ومرسل ومطاط، ويفتح أبوابًا للمزاجية وتصفية الحسابات، وعندما سألت صديقى المتحمس على من يطبق القانون؟.. أجاب دون تردد على الذين أفسدوا الحياة السياسية، ولم يجب عندما قلت له، هل يُطبق بأثر رجعى على فترة حكم عبدالناصر، لأن البعض يتهمه بإفساد الحياة السياسية بإلغاء الأحزاب، بجانب مذبحة القضاة وهزيمة يونيو؟.. أم يُحاكم عصر السادات الذى أطلق الإخوان من السجون، وفتح على البلاد بوابة جهنم، التى تصب علينا الإرهاب حتى الآن؟
إذا كان المقصود فقط فترة حكم الرئيس مبارك، فقد حُوكم وكبار الرموز ودخلوا السجون، ولا يجوز محاكمتهم عن نفس الاتهامات مرتين، ونفس الشىء بالنسبة لضباط الشرطة، الذين تمت تبرئتهم بأحكام قضائية نهائية، ولا يجوز -أيضًا- اختلاق اتهامات جديدة لهم، ونفس الأمر بالنسبة لموقعة الجمل الوهمية، والطرف الثالث واللهو الخفى وقناصة الأقنعة السوداء، وغيرها من افتراءات الكذب والانتقام.
أما إذا كان المقصود من قانون العدالة الانتقامية، استحداث قضاء المحاكمات الشعبية، فلن تسمح مؤسسة القضاء الراسخة بمحاكمات من هذا النوع، تهدر حقوق المتهم فى المثول أمام قاضيه الطبيعى، بالصراخ والبلاغات الكيدية وهتافات الميادين، فالميادين أدت مهمتها واستنفدت أغراضها، ومصر لا تحتمل عودتها والمصريون شربوا كئوسها المرة، وتنفسوا الصعداء بعد أنقذ الله بلادهم من على شفا الانهيار.
بعض مشروعات القوانين المطروحة للعدالة الانتقالية، مأخوذة من القانون الألمانى فى محاكمات نورنبرج الشهيرة، جاءوا بنفس النصوص والعقوبات والتعبيرات، رغم أن مصر لم يحدث فيها شىء على الإطلاق من جرائم النازى، مصر لم يكن فيها أفران غاز، ولا اغتصاب وقتل عشرات الآلاف من الأطفال والفتيات، ولا سلخ فروة الرأس وقص الأعضاء واقتلاع العيون، ولا التطهير العرقى والمذابح الجماعية، ورغم ذلك قدم «أحدهم» قانونا منقولا بالحرف من القانون الألمانى.
قانون العدالة الانتقالية كالعدم –أيضا– بالنسبة للإخوان، ولن يطبق على من حرضوا على العنف أو من تلوثت أيديهم بالدماء، لأنهم فى السجون ويخضعون لمحاكمات عادلة، أما بقية الإخوان الذين يعيشون كبقية المصريين فى سلام، فلن يحاكموا على الأفكار والمعتقدات والنوايا، والقانون العادى، الذى يطبق على سائر المواطنين لا يستثنيهم.
العدالة الانتقالية لغم دستورى يجب تفاديه، لتنصرف الجهود إلى المستقبل ولم الشمل وتضميد الجراح.