القانون المقترح لا يهتم كثيراً بالصحف الخاصة أو بوسائل الإعلام الجديد وآليات تنظيمها
لاشك أن كثيرًا من تشريعات وقوانين الإعلام الحالية، قديمة وعاجزة عن تنظيم المهنة وملاحقة التطورات السياسية والاجتماعية فى مصر، وتقدم تكنولوجيا الاتصال والإعلام، لذلك كان من الطبيعى أن نعانى من فوضى الإعلام وانفلاته، وتراجع مستويات الأداء المهنى وخسارة الإعلام المصرى لمكانته ومصداقيته فى المنطقة العربية.
جاء دستور 2014 بثلاث مواد جيدة ومتقدمة لإعادة تنظيم الإعلام، لكن هذه المواد تحتاج إلى العديد من القوانين التى تفصلها، وهو ما يجرى التحرك لإنجازه بسرعة، ولكن فى سياق مضطرب ومثير للقلق والمخاوف، لأن تركيبة البرلمان بصراحة ترجح أن هذه القوانين حال إصدارها وتفعيلها لن تكون ديمقراطية، ولن تحترم روح مواد الدستور، خذ على سبيل المثال قانون الجمعيات الأهلية. وأضيف إلى ضعف واستبداد البرلمان، الفكر السائد لدى جماعة الإعلاميين والزملاء المتصدرين لطرح أفكار ومقترحات بمشروعات قوانين للإعلام، حيث ينتمون للماضى، وحتى الشباب منهم يفكرون بطرق قديمة لا تواكب العصر، ولا يرحبون بالحوار، وبالتالى فإن أغلب المقترحات المطروحة تقيد حرية الإعلام ولا تضمن استقلاله عن الحكومة التنفيذية وعن سيطرة رجال الأعمال ووكالات الإعلان.
مطروح حاليًا على البرلمان أكثر من مشروع قانون، أهمها القانون الذى أقرته لجنة الثقافة والإعلام وأقره مجلس الدولة، مقابل مشروع قانون الإعلام الموحد الذى توافقت عليه الجماعة الإعلامية منذ أكثر من سنة، وهناك خلافات وضجيج ومعارك كلامية بدون أن يكون هناك حوار حقيقى، حوار لابد أن يمتد ليشمل كل المجتمع لأن الإعلام موضوع يهم كل الشعب، وليس حكرًا على الإعلاميين فقط.
وأعتقد أن غياب الحوار هو حالة طبيعية لأمرين، الأول: التسرع، لأننا فى حاجة إلى تنظيم فوضى الإعلام، لكن السرعة لا تعنى استبعاد الحوار لعدة أسابيع. والثانى: فقدان الثقة بين كل الأطراف، وأتصور أن أزمة الثقة جاءت من جانب الحكومة ولجنة الثقافة والإعلام لفصل قانون الإعلام الموحد والبدء بقانون يشكل الهيئات الثلاث «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهيئتين للصحافة، والإذاعة والتليفزيون» بمعزل عن بقية القوانين المنظمة للإعلام، كما أن هناك توجها واضحا لمنح السلطة التنفيذية سلطات واسعة فى اختيار وتعيين أعضاء الهيئات الثلاث.
طبعا الحكومة ولجنة الثقافة والإعلام لديهم مبررات قانونية ومنطقية، لكنها غير كافية، فليس من المعقول أن نناقش أو نصدر قانون بهيئات لتنظيم الإعلام من دون أن يعرف الرأى العام القوانين المنظمة للإعلام والحريات، والقواعد المنظمة للعمل الإعلامى، وكان من الأجدى أن يطرح هذا الفصل بين القوانين والهيئات لحوار عام، وأن تسعى لجنة الثقافة والإعلام للتواصل والحوار مع مجلس نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس.
والمفارقة أن كثيرًا من الأعضاء البارزين فى لجنة الثقافة والإعلام من الصحفيين والإعلاميين، من هنا فإن السؤال المحير: كيف يغيب الحوار بين أبناء المهنة الواحدة؟ وإذا كان أبناء المهنة قد فشلوا فى الحوار معا والاتفاق على حلول وسط، فكيف يمكن للمواطن العادى أن يثق فى إمكانية الحوار أو التواصل مع هذه اللجنة أو مع الهيئات الثلاث، التى يفترض أن تنظم الإعلام، وأن تدقق فى مصادر تمويل وسائل الإعلام وتبحث فى شكاوى المواطنين ضد أخطاء وتجاوزات الإعلام.
فى الختام، أود أن أشير إلى أن لى تحفظات على القانون الموحد للإعلام، ودعوت لتطويره، لكن ما نشر عن قانون التنظيم المؤسسى للإعلام الذى وافقت عليه لجنة الثقافة والإعلام، يتضمن الكثير من القيود على حرية واستقلال الهيئات الثلاث، ولا يضمن تمثيل شباب الإعلاميين، كما يسمح القانون للهيئات الثلاث بتقديم استشارات وإجراء بحوث بمقابل مالى لمن يطلبها، وهو عيب كبير، يقلل من استقلالها المالى ويضعها فى شبهة الاتهام بالقيام بأعمال ومصالح متعارضة. أيضًا فإن القانون المقترح لا يهتم كثيرًا بالصحف الخاصة أو بوسائل الإعلام الجديد وآليات تنظيمها، كما يتجاهل الحقوق الاتصالية للمواطنين، وحق المواطنين فى كل أنحاء مصر فى الحصول على تغطية إعلامية عادلة ومتوازنة، والأخطر أنه يمنح سلطات واسعة للهيئات الثلاث بدون أن تكون هناك رقابة برلمانية أو قضائية كافية على أداء الهيئات الثلاث.