لم تكن زيارة وفد نقابة الصحفيين أمس، والذى كنت أحد أعضائه، للكاتدرائية بالعباسية ، مجرد تقديم المواساة والتعزية لقداسة البابا تواضروس بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، فى شهداء الوطن ، الذين راحوا ضحية عملية الغدر والخسة ، التى استهدفت الكنيسة البطرسية، وإنما كانت تجديدا للتأكيد على الوحدة الوطنية ، والنسيج القوى الذى يشكله المصريون أقباطا ومسلمين، وعلى أن وحدة المصريين لا يمكن أن يطالها، أو يزعزع من قوتها العمليات الارهابية الآثمة،وللتأكيد أيضا على أن مصاب الكنيسة هو مصاب الوطن بأكمله ، وأن من حقنا جميعا أن نتلقى العزاء فى شهدائه.
فلم يكن حديث الترحيب من جانب القائمين على الكنيسة بالوفد ، الذى ترأسه الزميل يحيى قلاش نقيب الصحفيين، وضم الزملاء بمجلس النقابة وكبار الكتاب والمثقفين ، يوحى لا من قريب ولا من بعيد بأنه من أصحاب ديانة أخرى ، وإنما من أناس آمنوا بالوطن وبضرورة التوحد من خلفه حتى لا يسقط كما سقطت أوطان أخرى غير بعيدة عنا.
غير أن ما استرعى انتباهى هو ما جاء فى سياق كلمة القس أنجليوس إسحاق سكرتير قداسة البابا تواضروس، والتى أبدى فيها حسرة على منفذ التفجير ،الذى وصفه بأنه فى مثل أبنائنا لم يتخط الثانية والعشرين من عمره ، موضحا أنه ضحية أفكار مظلمة ، ودعانا فى كلمته – نحن الصحفيين – بأن نقوم بدور توعوى من أجل تجديد الفكر لدى بعض المغرر بهم ، وقال ان هذا لا ينبغى أن يتوقف على مجرد ندوات فى النقابة أو خارجها ، وإنما أكد على ضرورة القيام بدور أكبر وأوسع من ذلك ، حتى يتم تغيير الأفكار الجامدة لدى البعض ، والتى أدت إلى تدمير أنفسهم وأوطانهم.
وبدورى أضم صوتى إلى صوت القس اسحاق ، ومن داخل الكاتدرائية فى الدعوة إلى ضرورة قيام وسائل الإعلام وفى المقدمة منها الصحافة بتبصير الرأى العام بمخاطر الإرهاب والأفكار الهدامة ، التى لا تبنى أوطانا ، وقد سبق وأن طالبنا بذلك الأمر فى لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة ، وأكدنا أن كثيرا من الأفكار الهدامة، هى نتاج لرسائل إعلامية خاطئة ، عملت على تجذر وتأصيل الأفكار الخاطئة فى عقول الشباب.
وتتفق كل الدعوات سواء التى خرجت من الكاتدرائية أو ما طالبنا به ، أو ما طالب به الرئيس السيسى ، فى ضرورة تجديد الخطاب الدينى والثقافى أيضا ، وذلك على اعتبار أن الكلمة الصادقة تبنى، والخبيثة تهدم ، وهو ما أخذت به بعض الجهات ، ومنها الأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف ، وكذلك وزارة الشباب التى تقوم بتنظيم ندوات لتجديد الخطاب الدينى ، تنفيذا لتوصيات مؤتمر الشباب الذى شهدته مدينة شرم الشيخ.
غير أن تجديد لغة الخطاب سواء الدينى أو الثقافى ، لم يخرج فعلا عن الغرف المغلقة ، وهو الأمر الذى يهدد النتائج الناجمة عنه ، ما يتطلب منا جميعا مسجدا وكنيسة ، وصحفيين وإعلاميين ، ورجال فكر ودين ، أن تخرج الدعوات إلى خارج الغرف المغلقة ويتم إيصالها إلى أغلب المواطنين ، خاصة فى الأقاليم والمدن والقرى والنجوع ، وذلك من خلال قوافل للتوعية تشارك فيها كل تلك الجهات.
وإذا كان حادث تفجير الكنيسة البطرسية ومن قبله أحداث كثيرة ، قد أضر بالمجتمع ، وأدمى قلوب المصريين، فإنه وغيره من الحوادث الإرهابية ،يعكس إلى أى مدى وصلت الأفكار المسمومة إلى عقول الشباب وتمكنت منها، وهو ما يفرض على كافة الجهات فى الدولة ، سواء رسمية أو نقابية ، خطة عمل متكاملة تعمل على محو الأمية الثقافية قبل الهجائية ، حتى لا يستفحل خطر الإرهاب ويأكل البلاد والعباد