سنسير فى هذا المقال سيرتنا فى البحث فنبدأ بدراسة الموضوع "القضاء والقدر" من جانب الماديات ثم نطبق نظامها على ما فوقها من القوانين الكونية.
فكما قدمنا فى مقالات سابقة أن التركيب الداخلى للذرة لا يتأثر بالتفاعلات الكيميائية التى تتعرض لها عند انفصالها أو تتحد مع ذرات أخرى ، وذلك يدل كما شرحنا من قبل أن القوانين الأعلى لا تؤثر ولا تغير شيئاً ممن يكون أدنى منها من القوانين .
وكذلك قوانين الفيزياء لا تؤثر فى قوانين الكيمياء والأمر واحد لو تحدثنا عن القوانين البيولوجية وجدنا أنها لا تستطيع أن تغير من القوانين الكيميائية ولا الفيزيائية.
وإذا انتقلنا إلى " الحياة " نجد أنها لا تستطيع تغيير القوانين المادية ، فالقوانين الإنسانية كذلك لا تقدر على تغيير قوانين الحياة الحيوانية فى الإنسان !. فالمعنويات مثلاً لا تؤثر فيما هو بيولوجى خالص فى حياة البشر.
فالحب لا يؤثر فى نمو جسم الإنسان ، ولا يؤثر فى إخلاص الآباء وحبهم لأبنائهم فى الوراثة فيكبر الابن على صفات جميلة ، ما يطلق عليها اليوم "الجينات الوراثية "والضمير الحى لا يزيد من مقاومة الجسد للأمراض.
كل ذلك يدل على صواب القول بأن القوانين العليا لا تغير من القوانين الدنيا وإن كان الأمر بين المعنويات والحياة ، وفى الواقع العملى أكثر تعقيداً مما يكون بين الحياة والمادة.
لأن قوانين الحياة فيها مرونة واتساع ، وفيها فرجة تسمح بحدوث أمور مختلفة كلها مطابقاً لها وهو ما يحدث فى القوانين المادية .
ثم أن ازدواج وظيفة "المخ" من حيث هو عضو حيوانى متصل بالجسم كله ، ومن حيث هو عضو "العقل" الذى هو جهاز قبول القوانين المعنوية عند الإنسان ، والتأثير بها يجعل للمعنويات أثرا فى الفصل بين الجزء الحيوانى والبشرى فى جسم الإنسان الواحد ومع ذلك هذا لا يغير من القواعد الكونية فى مجموعها ، وأن القوانين لا تعمل إلا فيما هى مهيأة له ، ولا تعتبر من القوانين التى تكون أدنى منها شيئاً ، على طول الخط البحثى إلا أن هناك أثراً هاماً تحدثه القوانين والأشياء العليا فى القوانين والأشياء الدنيا دون أن تغيرها.
ذلك أن "الأعلى يستطيع أن يؤثر فى " تاريخ حياة الأدنى منه ". وهذا ما سوف نفرد له مقالا آخر بإذن الله .
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .