يزعم تنظيم داعش الإرهابى، بقاء أحكام السبى التى كانت موجودة فى صدر الإسلام، واستمرت بعض الوقت كعلاج وقتى لمعضلة صادفت الإسلام فى الجزيرة العربية، ولم يكن التخلص منها ممكنًا دفعة واحدة كما هو الحال فى قضيتى شرب الخمر والتعامل الربوى، حيث شرع الإسلام أحكامًا تدرجت من المنع الجزئى وصولًا إلى المنع الكلى الذى استأصل هذه القضايا من دنيا الناس. وقد ضيَّق شرعنا الحنيف من موارد الرق بكل أشكاله وصوره بما فيه من سبى النساء والأطفال، حيث جعله مقصورًا على الوقوع فى أيدى المسلمين خلال حرب دفاعية بينهم وبين غيرهم من المعادين لهم، ومنع قتل النساء والأطفال أو ضرب الرق عليهم، بل يردون إلى ذويهم مَنًّا أو فداء كما فعل الرسول الأكرم – صلى الله عليه وسلم– فى فتح مكة، أما الرجال غير المسلمين الذين يقاتلون ضد المسلمين فإن الإمام يخيَّر فيهم بين المَنِّ والفداء وضرب الرق عليهم وقتلهم، بحيث يختار الإمام من ذلك ما يحقق مصلحة المسلمين ويكسر شوكة عدوهم ليعم السلام بين الناس أجمعين. ويلاحظ دقة التشريع وحكمته فى اعتبار أعراف الناس وقدرتهم على الامتثال للأحكام، فالرق كان من موارد الثروات المالية التى يصعب على النفس البشرية التخلى عنها، وعليه كان الاعتماد فى أمور الخدمة والتكسب والمعاش، وإلغاؤه بالتحريم كان سيحدث هزة عنيفة فى النظام المجتمعى الذى ألفه الناس لقرون ضاربة فى الجاهلية قبل الإسلام، فضلًا عن صعوبة الامتثال لهذا الحكم.
وبهذا النهج البديع استطاع الإسلام التخلص من الرق بكل أشكاله وصوره، ففتح منافذ التخلص من الرق بكل أشكاله وصوره، فالسَّبيَّة من النساء متى حملت من سابيها وولدت أصبحت أم ولد لا تُباع ولا تُشترى، فإن مات عنها أصبحت حرة لا سلطان لأحد عليها، ومن ارتكب قتلًا على سبيل الخطأ فعليه كفارة عتق رقبة فضلًا عن الدية، قال تعالى: «وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ»، ومن ظاهر من زوجته ثم عاد لما قال، وكذا من أفطر عامدًا فى رمضان، فعتق الرقبة خيار من خيارات ثلاثة، قال تعالى: «وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، وإعانة المكاتب على دفع قيمة تحرره إلى سيده هو أحد مصارف الزكاة الثمانية. ومن ثم، فالتقرب إلى الله عز وجل بعتق الرقاب من أعلى القربات، وبهذا انتهى وجود الرقيق والسبايا من بين المسلمين من دون نص محرِّم، وذلك بتقييد الإسلام لموارد الرق وفتحه لمنافذ الخلاص منه، وهذا من عجائب مسالك التشريع.
وما يدعيه هذا التنظيم المجرم من بقاء الرق والسبى وتطبيقه أحكامهما على من يقع فى قبضته فى هجماته الإرهابية على الآمنين، إنما هو محض باطل وافتراء، وحكم النسوة اللائى يقعن فى قبضة هذا التنظيم المجرم أنهن مختطفات ولسن سبايا، حيث إن السبى لا يكون إلا بخوض قتال يقوده إمام شرعى مع عدو غير مسلم دفاعًا عن الدِّين، وهؤلاء الدواعش ليسوا جيشًا إسلاميًّا، وقائدهم ليس إمامًا، بل هم عصابات مجرمة مفسدة فى الأرض محاربة لله ورسوله، وكيف لمفسدين فى الأرض يستحقون أشد عقوبات عرفتها شريعة الإسلام على الإطلاق، أن يسقطوا أحكامًا معطلة فى الفقه الإسلامى لانتفاء أسبابها وعدم تحقق أحوالها فى هذا الزمان أصلًا، على المجنى عليهن من الحرائر من المسلمات وغيرهن؟!