نعرف جميعا أن «الطمع يقل ما جمع» وما بين أطماع الدنيا الكثيرة يتفرد طمع واحد بخاصية «التجميع» وليس «التقليل» هو الطمع فى الحب، كلما طمعنا أكثر زادت حصيلة المحبة وتضاعفت أضعافا مضاعفة، ترمى بذرة، تحصد حديقة، ترمى قطرة تحصد بحرا، ترمى نظرة تحصد حضنا، يتسع العالم، تغمرك الروح بالرائحة، ويغمرك القلب بالحركة، ويمنحك الدفء أمانا، تغيب الحواجز، وترتفع السدود، فيمتلئ الوجدان البراح، تهتف روحك «حرية.. حرية».
يعلو السؤال: لماذا إذن نبخل بالحب وهو الذى يكرمنا بأكثر مما نحلم؟ لماذا نحبس أنفاسه بين أيامنا المتجهمة، لماذا نفزعه بنظرات الأسى؟ وننهره بالقسوة؟ وننفيه بالأنانية؟ لماذا لا نجعل الحب مشروعا قوميا برغم الطاقة المهولة التى يمنحنا إياها؟
نعرف أنه قرين النجاح، ومع هذا ندمن الفشل، لو لم يحب المرء الشىء لما أجاد فيه، وإن لم يعشق المرء الشىء ما اكتشف أسراره، وأول العشق كما يقول ابن حزم «إدمان النظر» والعين باب من أبواب الحق، والتأمل أول الدخول فى معيته، فالتأمل يمنحنا عدسته المكبرة لنرى ما لا نراه ونكتشف ما لا نعرف، وبدون التأمل ينغلق الجوهر وتسجن الروح.
يقول صلاح عبدالصبور: «حديث الحب يوجعنى ويطربنى ويشجينى» فالحب هو المسافر والطريق، هو البعيد وإن كان قريبا، هو المشغول بالفتنة والشاغل للقلب، هو القاسى والحانى، هو الرؤوف والجبار، هو المنعم والمانع، كل الأشياء تتجمع بين يديه، قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون، تطوف القلوب حول الحب فلا تدرك بدايته ولا منتهاه، رحلة الحب قاسية وممتعة، لا سلطان على العاشقين إلاه، ولا يشد الرحال إلا له، هذا فعل الحب، وهذا فعل الإنسان، يمنحنا الحب ما لا نقوى على تخيله، ولا نمنحه إلا ظهورنا، نتحلى بأكبر قدر من القسوة ونحن نستمع إلى «الست» وهى تقول: «متخليش أشواقنا لبكرة، متخليش فرحتنا لبكرة» ولا يغرينا قول وردة «فى يوم وليلة.. دقنا حلاوة الحب كله.. فى يوم وليلة» ولا نفتح أبواب التأويل لنجعل كل شىء مبتغى محبوب وكل أمل عشيق، برغم علمنا أنه لولا حب الإمام أبى حنيفة للإسلام لما صنع مدرسته الفقهية، لولا حب «متى المسكين» للمسيح لما صنع أسطورته الروحية.