البعض ينظر للخلافة الإسلامية على أنها وحى من السماء، لكنها فى الحقيقة هى مجرد نظام حكم، نجح فى عهد الخلفاء الراشدين، لأنهم كانوا مهديين بكلام النبى عليه الصلاة والسلام، وفشل بعد ذلك لأنه تحول إلى مُلك به من الظلم أكثر مما به من العدل.
وفى الفترة الأخيرة، ومع تسارع الحوادث وتصارع الأفكار، وجب على كل فريق أن يستعين بأفكار سابقيه التى تؤيد قوله، والمعتمدة على أدلة منطقية للوصول إلى الحقيقة، لذا فإن الاحتفاء بالشيخ على عبدالرازق، وكتابه، له مبررات كثيرة، ففى ظل ظهور داعش، وانطلاقها من فكرة «الخلافة الإسلامية» الغائبة وسعيها لإعادتها، بشكل دموى، يسىء للفكرة نفسها، وجد كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبدالرازق مكانه مرة ثانية، وأصبح البعض يدينون له باعتذار تأخر قرابة 90 عامًا.
تعرض على عبدالرازق، سنة 1925، لهجوم شديد، لكن دعونا نضع أنفسنا مكان الرجل، ونفكر بدلًا منه، ولا داعى لاتهامات التخوين أو الكفر التى لاحقت الشيخ فى تلك الفترة.
على عبدالرازق، رجل من علماء الأزهر، يعمل بالقضاء الشرعى، قرأ التاريخ جيدًا، وعلم بأن الخلافة الإسلامية التى كانت آخر معاقلها فى تركيا على يد الدولة العثمانية المريضة، انتهت 1924 على يد كمال أتاتورك، لكنها على المستوى الفعلى كانت قد انتهت قبل ذلك بكثير، ولم يعد لها سوى «اسم» وجزية يتحصل عليها الخليفة من الدول التى تقع تحت طائلته، والتى لا يعرف عنها شيئًا.
فى مصر مثلا، هذه الخلافة جعلتنا فقراء، مجرد بلد تابع لقوة أخرى غريبة عنا، هذه القوة لا تتذكرنا إلا فى أوقات الحرب والشدائد، كما أنها تحت مسمى الخلافة استولت على كل جيد فى بلدنا الفنانين والصناع والحرفيين، وجعلت حكامنا لا علاقة لهم بنا، حتى أفضلهم محمد على باشا، لم يكن يعلم عنا شيئًا، وفى كتاب صدرت ترجمته حديثًا عن المركز القومى للترجمة، بعنوان «مصر فى عهد محمد على» يوضح أن الوالى العثمانى كان يعمل لصالح نفسه وأسرته والخلافة، وفى النهاية سقطنا فى يد الاحتلال الإنجليزى، ولم تحرك الخلافة ساكنًا لنصرتنا.
وما قلناه فى الفترة الأخيرة، كان سائدًا طوال تاريخ الخلافة، لدرجة أن مصر أحيانًا كان يحكمها رجال لا يعرفون لغة أهلها، حتى أن محمد على نفسه كان لا يجيد العربية، والذين سبقوه أيضًا لا علاقة لهم بنا، فقط استولوا على الخير كله وتركونا نعانى الحاجة.
الشيخ على عبدالرازق، لم يكن ضد الاتحاد بين دول العالم الإسلامى أبدًا، لكنه كان ضد إضفاء القداسة على المسائل الشخصية والسياسية والنفعية، كان لا يريد توريط الشعب فى الصراعات التى كان من المتوقع حدوثها لإقامة الخلافة من جديد.