انقلب العالم، منذ أمس الأول، حول مقتل السفير الروسى فى تركيا «أندريه كارلوف» على يد متطرف إسلامى، وفى الحقيقة أنا لم أندهش على الإطلاق حينما طالعت هذا الخبر، فتركيا الآن تتجرع جزاء تغذيتها للوحوش البدائية التابعة لعصور الرجعية الإسلامية، التى أيقظها رجب طيب أردوغان فى نفوس الأتراك، فاتحا السبيل أمام عودة السلطة الدينية إلى صدارة المشهد، وتغيير هوية تركيا «العلمانية» متشابها فى هذا مع ما فعله السادات فى السبعينيات، حينما انقلب على تراث المدنية المصرية فاتحا السبيل أمام التوحش الإسلامى، لينتهى به الأمر مقتولا برصاص من رعاهم.
لن أخوض هنا فى التأويلات والتخمينات التى تعتمد فى الأساس على نظريات متضاربة ومتناقضة، لكنى سأشير هنا إلى أسباب عدم اندهاشى من هذا المشهد، فقد كتبت فى الخميس، 23 يونيو 2016 مقالا بعنوان «تركيا تتذوق طبيخ السم»، وفيه أشرت إلى واقعة اقتحام عدد من المتطرفين لأحد المقاهى الإلكترونية والاعتداء على مرتاديها، لأنهم من وجهة النظر المتطرفة «فاسدون ومارقون»، يجهرون بالإفطار فى نهار رمضان، وبعد سيل من السباب والشتم واللعن، قال أحد المتطرفين لمن اعتدى عليهم: «سأحرقكم حيين، سأقتلكم»، وفى هذا المقال قلت إن خطورة هذه الواقعة تكمن فى إشارتها البليغة بأن تركيا تشهد تحولا كبيرا على المستوى الشعبى، وليس على المستوى الرسمى فحسب، فها هى تركيا العلمانية «ابنة أتاتورك»، تجنح نحو التطرف بكامل طاقتها، حتى إن بعض مواطنيها عينوا أنفسهم نوابا للإله فى الأرض، وقرروا أن يعاقبوا بعض الشباب لأنهم «يسمعون موسيقى، ويشربون النبيذ»، مشيرا إلى أن هذه الأزمة تتشابه مع أزمة مصر فى التسعينيات حول تأويل الحديث الشريف «من يرى منكم منكرا فليغيره بيده»، الذى فسره بعض المتطرفين بأنه تكليف عام، فمضى كل واحد يقتل ويشرد ويكفر فى الجميع.
انظر معى ماذا قلت فى المقال الذى أشرت إليه سابقا، مؤكدا أن «هذا التحول الخطير يؤكد أن سياسة أردوغان بدأت تأتى بثمارها، وأن محاولته لتديين المدارس فى تركيا أنتجت لنا شبابا مستعدين أن يقتلوا «الآخر»، لأنه يختلف معهم أو يختلف عنهم، وفى الحقيقة، فإنى أرى أن هذه الظاهرة قابلة للتفاقم فى الأيام المقبلة، وعما قريب سترى تركيا الويلات نتيجة احتضانها نار الإرهاب، التى ظنت أنها لن تحرقها، لكن ها هى ألسنة اللهب تتصاعد، وها هو الدخان يفوح، وها هو طباخ السم يتذوق بعضا من أكلاته الشهيرة».