بسبب ثورتين و حرب في الداخل ؛ ارهاب يحاول ضرب اواصرنا ؛ و حرب من الخارج ؛ حصار يُفرض علينا و يزيد في كل يوم عن سابقه نتيجة للحرب الأولى و انتهاز دول اخرى لإنشغالنا بأزماتنا الداخلية و العمل ضد مصالحنا و الضغط علينا ؛ تمر مصر بظروف اقتصادية حرجة و في الظروف غير التقليدية علينا ان نلجأ لطرق غير تقليدية لعبور الازمة ، وفي نظري قد اتخذت الدولة بعض القرارات في الإتجاه السليم مثل البداية بحل ازمة الطاقة كأولى اولوياتنا وصولاً الى تحرير سعر الصرف و ما ترتب عليه من سياسة التقشف و تقليص الإستيراد فكما قال علي بن ابي طالب "كم حاجة لنا قضيناها بالإستغناء عنها" و لكن هذا وحده لا يكفي بحالل.
اقصد ترشيد الإستهلاك ؛ فمازال هناك اوجه لترشيد سياسة الإنفاق ، و ترشيد الإنفاق لا يقتصر على ترشيد الإنفاق الإستيرادي و ترشيد الانفاق الشعبي و الحكومي وحسب و لكن يتطلب ايضاً ترشيد الإنفاق في المشاريع الداخلية و كلمة ترشيد هنا لا تعني تقليص و لكن تعني ترشيد اوجه الإنفاق و ذلك بتوجيه الإنفاق لأولويات المرحلة بما يفيد الإقتصاد ولا يرهقه و لا يشكل عليه عبئا زائدا بإحتجاز رؤوس الأموال في مشاريع غير ربحية و الإلتزام بردها فيما بعد في المدة المتعهد بها هي و ما يترتب على هذه الأصول من فوائد مما يضطرنا لطبع مزيد من الأوراق المالية مما يؤدي بدوره الى التضخم و انخفاض قيمة العملة و تفاقم الأزمة !
و على العكس من ذلك علينا العمل على توجيه الإقتصاد لتحقيق الإكتفاء الذاتي بل و لتقديم منتجاً صالحاً للتصدير للحصول على العملة الصعبة ، و لا نتصور اننا سنفلت كمسؤلين عن الدين الداخلي و الخارجي الذي سنكون قد ارهقنا بهما كاهل الدولة من حساب التاريخ و الأجيال و سيكون حسابهما لنا عن جودة أدائنا في تلك الفترة التاريخية الحرجة لا عن كم بيتاً بنينا و لا كم شارعاً انشأنا و خصوصاً اذا كان في غير حاجة ملحة تقتضيها مستلزمات الإنتاج ، فلتقييم جودة الأداء حسابات اخرى ، وقتها سيكون الحساب هو محصلة ما خلفنا من دين في مقابل ما حققنا من ارباح ؟ و بمعيار العصر الأدق سيكون السؤال ماذا انتجتم ؛ و يقيم الإنتاج من حيث الاهميةً و الكم و الكيف ؛ ب ( ص ) من المعطيات في ( س ) من الوقت و سيُقَيَّمُ اداؤنا بالقياس على افضل الإحتمالات التي كان في الإمكان تحقيقها بنفس المعطيات ، و الموضوع لا يحتاج عالماً في الإقتصاد ليقول ما هو الوقت المناسب لبناء البيوت و المدن و الطرق و الكباري و متى يكون أولى بنا توجيه رؤوس الأموال و الوقت و الجهد للمشاريع الصناعية و الزراعية و لو حتى للإكتفاء الذاتي و ليس للتصدير وان ربح هذه المشاريع وحده كفيلٌ ببناء البيوت والمدن في المستقبل وان يكون بالإمكان ارجاء ذلك والصبر عليه كما فعلت كل الدول التي نهضت بعد ان دمرتها الحرب العالمية الثانية في فترة الإعمار فأعادت مجداً اكبر من ذاك الذي كان قبل الحرب و اكثر مما فعلت الدول المنتصرة نفسها مثالٌ لذلك المانيا و اليابان ، هناك منطق سهل يقوله رجل الشارع الصيني في حسبة بسيطة " لأن تعلمني الصيد خيرٌ من ان تعطني سمكة" ولا يغيب عن عقيدتنا ان الله سيسأل الإنسان عن عمره فيما افناه و شبابه فيما ابلاه و ماله مما اكتسبه و فيما انفقه في عبارة محفزة موجزة تلخص مفهوم العمل و الإنتاج تجعلنا نسأل انفسنا ماذا انجزنا و انتجنا ( كماً و كيفاً و صِنفاً) هذه العبارة تقيم اداء بني آدم في اطار الجودة المتعارف عالمياً فتضع لنا الوقت مقابل الإنتاج بتوصيفاته لكننا لا نهتم الا بالشكليات و لا نفهم مثل هذه العبارات الا في اطار العبادات مع ان لا العبادات و لا الدين يدران مالاً الا عند تجار الدين !!
* استاذ بطب قصر العيني