كنا قد قدمنا فى مقال سابق أن هناك أثرا مهما تحققه القوانين والأشياء العليا فى الدنيا منها دون أن تغيرها، بحيث الأعلى فى القوانين يؤثر فى "تاريخ الحياة" الأدنى فالقوانين الفيزيائية لا تغير من كيمياء جزىء الماء، ولكنها تحدد لها تاريخ حياته فترفعه إلى السماء ليصبح سحاباً أو تدخله فى جذور شجرة الورد ليخلق بإذن الله وردة، والكيمياء أيضاً لا تغير من تركيب الذرة ولكنها تحدد لها مستقبلها فتجعلها جزءاً من البارود يتفجر.
كذلك القوانين الحيوانية لا تغير من القوانين الأدنى ولكنها تحدد مستقبل المادة الحية لتكون إما جزءاً من خلية فى قلب الإنسان أو فى كبده، وهذا الذى يحدث للشىء الأدنى فى تاريخ حياته، والذى لا يجد له هذا الشىء تفسيراً لأنه لا يتعلق بقوانينه هو، والذى يحدث من أثر فعل القوانين العليا، هذا الأثر هو عند الشىء الأدنى "القضاء والقدر" من قدرة المولى عز وجل، والذى ينظر إليه من جانب التفسير العلمى على أنه من "نظرية تفاضل القوانين" تعريفاً للقضاء والقدر من أفعال الطبيعة. فالحيوان الذى يذبح قرباناً لله لا يرى شيئاً عن القوانين الإنسانية والتى دفعت الإنسان إلى هذا العمل، وهو أمر لا يمكن تفسيره عن الحيوان بأى قانون طبيعى أيضاً. لهذا يكون الذبح عند الحيوان "قضاء وقدر"، شىء لا يفهم سببه ولا نظامه ولا قانونه.
أما ما حدث حين يعمل قانون أدنى فيما هو أعلى فلا يعد قضاء وقدر، وإن حسبه أكثر الناس كذلك فإذا سقطت صخرة على طفل نائم فقتلته، فإن من الناس من يعد ذلك قضاء وقدر وهذا خطأ، لأنه ليس فى هذا الحدث شىء يسوء عن أن يفهمه القاتل أو المقتول، أما الذبح (الأضحية) فهو أمر لا يمكن أن يفهمه الكبش أبداً وإن فهمه الإنسان (صانع الحدث) فهو بالنسبة للكبش قضاء وقدر، وبالنسبة للإنسان أمر طبيعى بنى على قانون أعلى وهو التقرب إلى الله.
هذا هو القضاء والقدر، وتطبيق ذلك على الإنسان يكون بغرض أن هناك أشياء وقوانين أعلى من الإنسان، تحدد تاريخ حياته دون أن تغير من قوانينه شيئا، فتذهب به إلى الصلاة مثلاً فهو لا يفهم النظام الذى يدفع به إلى هذا، ويكون أثر هذه الأشياء التى هى مهيئة لقبولها والتى هى سر وجودها. والقانون الأعلى فى تاريخ الحياة يعمل فى ما هو أدنى منه دون أن يغيره، والأثر الذى يحدثه القانون الأعلى فى حياة ما هو أدنى منه هو ما تعرفه العامة باسم "القضاء والقدر" بالنسبة للشىء الأدنى.