لعن الله أرواح القائمين على شؤون فضائية الجزيرة القطرية، وكل من تعبث أيديهم فى الملف السورى داخل قطر.
لا أحدثك عن التلاعب بالصورة الخاصة بالثورة السورية، منذ بدايتها قبل خمس سنوات، ولا أحدثك عن فيض الشائعات والأخبار الملونة التى تبثها هذه الشبكة القطرية عن سوريا وأهلها دون أن تقدم قطر دعمًا واضحًا لأهلها من المشردين واللاجئين فى بلدان العالم المختلفة.
أنا أتوقف معك أمام ما هو أحقر بكثير، تلك اللحظة التى سخرت الجزيرة نفسها وجهودها وأكاذيبها، لإعادة تقديم صورة مغايرة للإرهابيين فى سوريا، وكأنهم جماعة سياسية معتدلة، «الجزيرة» سخرت نفسها ومذيعيها وأموالها، لكى تقول للعالم «إن داعش وجبهة النصرة والميليشيات المسلحة فى سوريا معارضة معتدلة لا متطرفين ولا مجرمين ولا قتلة».
لعب المذيع الإخوانى أحمد منصور، هذا الدور ببراعة شديدة، حينما استضاف فى برامجه، وعلى شاشة الجزيرة «محمد الجولانى»، زعيم تنظيم جبهة النصرة المتطرف الذى يقطع رؤوس أهالى سوريا، ويحول أجساد أطفالهم إلى أشلاء، وقدمه فى حوار مطول كزعيم لجبهة معارضة معتدلة، وليس قاتلًا ومجرمًا.
الأرشيف موجود، والحوار موجود على موقع يوتيوب يظهر فيه أحمد منصور، وكأنه مندوب علاقات عامة مهمته تجميل صورة الإرهابيين فى سوريا، فتح الباب أمام الجولانى ليكذب دون أن يرده بسؤال، وترك له المجال مفتوحًا ليقدم نفسه، وكأنه المبشر بالعدل رغم يده الملوثة بالدم.
لعن الله كل من دعم مجرمى داعش والقاعدة والمتطرفين بالمال والسلاح وتحسين الصورة، كل من أراد أن يشيطن طرفًا فى الأزمة وترك الطرف الآخر، لأنه يخدم مصالحه، بينما أهلنا فى سوريا يدفعون الثمن من دمهم.
الدم يسير فى شوارع حلب منذ خمس سنوات، وليس اليوم فقط، البعض يلعن بشار، والآخر يلعن منتخب الإرهاب العالمى المشكل من القاعدة والدواعش ومتطرفين من كل أنحاء العالم يلعبون لصالح هدف واحد، هو انهيار سوريا وتفكيكها.. والكل شياطين.
شياطين نجحوا فى تقسيم أرض حلب، فيما بينهم، حلب الشرقية «تحت سيطرة فصائل الجيش الحر»، وحلب الغربية «تحت سيطرة النظام»، بالإضافة لأماكن سيطرة لداعش وجبهة النصرة والأحزاب الكردية وغطاء جوى من أمريكا وحزب الناتو من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى.
خمس سنوات، عاشت حلب دون أبسط مقومات الحياة، وكل الأطراف السابقة تحول المدينة إلى ساحة حرب، الطرف الأول «الجيش الحر» يضرب قذائف عشوائية من الهاون وأسطوانات الغاز والصواريخ على الأحياء السكنية والشوارع والمدنيين، ويرد الطرف الثانى «النظام» بغارات جوية تستهدف المبانى والأحياء فى القسم الآخر من المدينة.
وفى المنتصف، كانت أرواح الأطفال والمدنيين يستغلها كل طرف كورقة ضغط على الطرف الآخر، يلاعب بها مشاعر المجتمع الدولى، ثم يعود الكل لصمته، ويعود أهل حلب للملمة أشلاء أطفالهم من الشوارع.
وعلى جثثهم يقف وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، يحذر ويرفض أى محاولة لتصنيف المعارضة فى سوريا إلى متطرف ومعتدل بينما لا يحذر قتلة الأطفال.
وبجواره، يخرج رئيس الوزراء التركى، أحمد داود أوغلو، على شاشة الجزيرة، ليقول «إن من حق أنقرة دخول سوريا لحماية نفسها، بينما لا يتكلم عن أى تدخل لحماية أطفال سوريا». وبجواره، يقف المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أيرنست، يتكلم عن الأمل فى التهدئة، بلهجة لا تتناسب أبدًا مع ما يمكن أن تفعله واشنطن فى هذا الملف، يقولها بلهجة قد تكون أسخن وأكثر غضبًا لو أن خدشًا أصاب مواطنًا أمريكيًا فى أى دولة بسبب حدث سيارة، بينما جثث أطفال سوريا لا تصيبهم بالغضب.
وبجوارهم يقف الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى، رئيس الوزراء القطرى السابق، وهو يعترف لجريدة فاينانشيال تايمز يوم 22 إبريل الماضى بأنهم يبيعون لحم أطفال سوريا لصالح الغرب، حينما قال: عندما سمحت الولايات المتحدة للسعودية وقطر بدعم المتمردين. تدفقت الأسلحة والأموال للمتمردين، ولكن مع عدم وجود استراتيجية واضحة أو اتجاه جامع، تم تقويض المشروع بأكمله نتيجة المشاحنات والمنافسات بين الدولتين الخليجيتين، ثم أجاب نصًا: سأقول لكم شيئًا واحدًا، وربما أقوله لأول مرة: عندما بدأنا فى التورط بسوريا «بحلول 2012» كان لدينا الضوء الأخضر بأن بإمكان قطر قيادة الأمر هناك، وذلك لأن السعودية لم تكن تريد القيادة فى ذلك الوقت. بعد ذلك، حصل تغير فى السياسة السعودية لم يتم إعلامنا به، وهو أنهم أرادونا فى المقعد الخلفى من القيادة، لذا انتهى الأمر كتنافس بيننا وبين السعودية، وهو ما لم يكن صحيًا أبدًا.