أصبح من المعتاد مؤخرًا أن أسمع بشكل شبه يومى عن حالة جديدة من حالات سرقة الموبايلات فى الشوارع العامة، حكايات تأتى وراءها حكايات، الآلية شبه واحدة، سيدة تمسك بهاتفها المحمول فيأتى شاب من ورائها مستقلا «موتوسيكل» ليخطفه من يدها، بينما تقف هى بلا حول أو لا قوة، ونتيجة لهذا انتشر الفزع بين الناس، حتى أننى أعرف أناسًا عزفوا عن الرد على المكالمات فى الشارع خشية أن يصبحوا ضحية جديدة من ضحايا «السارق الطيار» على دراجته البخارية، وهنا تكمن الأزمة، وهنا تتجلى المصيبة، أن يسكن الفزع فى القلوب بدلا من أن يسكن الأمان، وأن يفقد الواحد الثقة فى أتفه الأشياء بعد أن تحولت شوارعنا إلى «بيوت رعب».
هنا أذكرك بما كتبته منذ فى أكتوبر الماضى بعنوان: «هل استعددنا لما هو أسوأ؟»، متوقعا أن تسهم خطوات الإصلاح الاقتصادى فى ارتفاع معدلات الجريمة العشوائية، حيث قلت نصا: إن مصر الآن تعيش «حالة من اختلال الطبقات، كان من نتائجها أن تنكمش الطبقة الوسطى، ويهبط من فيها إلى الطبقة الأدنى، وأن تتأثر الطبقة العليا بعض الشىء، لتستغنى عن الكثير من مكوناتها، التى يعمل بها «الطبقة السفلى»، أما الطبقة السفلى فأنا أعتبرها مصدر الخطر ومصدر القوة فى الآن ذاته، ففيها العمال وفيها الفلاحون وفيها الحرفيون وفيها الكادحون الذين يبنون مصر ويسهمون بكل إخلاص فى رفعة بلادهم دون جلبة أو ضجيج، وللأسف فإن الأخطار المحدقة بهذه الطبقة كبيرة، كما أن الأخطار المتوقعة من هذه الطبقة «أكبر»، فطبيعى فى ظل هذا الوضع الاقتصادى الصعب أن ينحرف بعض من أبناء هذه الطبقة، وطبيعى أيضًا أن ترتفع معدلات الجريمة، وأن تنمو موجات اضطراب الانتماء، وأن ترتفع معدلات التسرب من التعليم، وأن يتدهور المستوى الصحى، وأن ترتفع معدلات انتشار الأمراض، وإذا أضفنا إلى هذا ما هو واقع فى مصر بالفعل من تدن فى كل هذه المجالات ستصبح الصورة أكثر بشاعة، فهل استعددنا إلى هذه الأضرار المتوقعة؟
أعود هنا وأكرر أننى لم أقصد التفزيع أو الترهيب من خطوات الإصلاح الاقتصادى لأنى أعلم تمام العلم أنها ضرورة ملحة، لكنى فى ذات الوقت أعود وأؤكد أيضا على أهمية الإصلاح الاجتماعى وبسرعة بالغة وبخطوات أكثر جدوى من تلك، التى قامت بها الحكومة، فلا يعقل أن تقوم الحكومة بتعويم الجنيه ورفع الدعم فى يوم وليلة، بينما تسير خطوات تأكيد الأمن الاجتماعى بسرعة السلحفاة.