عباقرة السياسة البرادعى وصباحى وحمزاوى وعمرو موسى وأحمد شفيق أسسوا أحزاباً فشلت جميعها
يتغنون، ليل نهار بأصوات نشاز، مزعجة، ومنفرة، عن الدولة المدنية، وإقامة حياة حزبية وسياسية سليمة، والدفاع عن الديمقراطية، والوقوف بكل قوة أمام الأنظمة الديكتاتورية، بجانب ترديد شعارات مثيرة، مبهرة ومدهشة. وعند تعاطى بعض المواطنين مع هذه الشعارات والانخراط فى العمل الحزبى، يكتشفون ما يفوق الخيال الخصب والجامح، من ممارسات تتصادم وتتقاطع مع كل الشعارات التى يرددها قادة الأحزاب.
المواطنون، وفى القلب منهم الشباب الباحث عن ممارسة السياسة وفق الأيدولوجية التى يؤمن، بجانب حالة انبهارهم بخطابات بعض الرموز، عبر شاشات القنوات القضائية، والحوارات الصحفية، يصطدمون بواقع مرير، عند انضمامهم للأحزاب، ويكتشفون أن كل ما كانت تنادى به الأحزاب وزعماؤها قبل الانضمام لها ما هى إلا شعارات جوفاء، لا تمت للواقع بصلة.
الأحزاب فى مصر قبل الثورة، كانت عبارة عن مقر «غرفتين وصالة» فى وسط القاهرة، وصحيفة ورقية، وأن قيادته من أسرة واحدة، والهدف من تأسيسه جمع المغانم، من تلقى الدعم السنوى من الدولة، وتحويل الصحيفة التى تتحدث عنه إلى دجاجة تبيض ذهبًا، من خلال ممارسة الابتزاز لرجال الأعمال للحصول على الإعلانات، بجانب ابتزاز الدولة لدعوته فى المؤتمرات والفعاليات والحفلات التى تنظمها فى المناسبات المختلفة. وأن قيادات الأحزاب كانت لا تهدف حينذاك إلى تحويل أحزابها إلى مؤسسة قوية لممارسة السياسة، والتواجد الفعال فى الشارع، من خلال برامج مقنعة للمواطنين، يدفعهم للانضمام لها وخوض الانتخابات البرلمانية، والمجالس المحلية، على قوائمها، والحصول على أكبر عدد من المقاعد، ليكون رقمًا صحيحًا وفاعلًا فى العملية السياسية برمتها فى مصر.
صدمة المواطنين، دفعتهم للانصراف عن الانضمام للأحزاب، وأطلق حينذاك المراقبون وخبراء النظم السياسية فى مصر ألقابًا على الأحزاب من عينة الأحزاب الورقية، وأحزاب الأنابيب، وأحزاب الكارتونية، إمعانا فى توصيف ضعفها وترهلها، وغيابها التام عن الشارع.
وفى ظل عدم التأثير من أى نوع للأحزاب، كان يخرج رؤساؤها، مرتدين عباءة الاضطهاد، وأن الحزب الوطنى الحاكم، بجانب عصا مباحث أمن الدولة الغليظة وقفت حائلًا دون انطلاقتها فى الشارع، وهى شماعة ساذجة كذبتها الأوضاع عقب ثورة 25 يناير 2011.
بعد الثورة، وحدوث الفوضى فى كل شىء، والسيولة السياسية غير العادية، وإلغاء مباحث أمن الدولة، وحل الحزب الوطنى وحرق مقراته، أصبح الشارع مفتوحًا على مصراعيه أمام الأحزاب، لتنطلق وتنتشر وتتوغل، وزادت الأحزاب بعد أن أصبح تأسيسها بالأخطار، وظهرت العشرات من الأحزاب التى أطلق عليها أحزاب ثورية، لأنها ولدت من رحم الثورة مثل العدل الذى أسسه الناشط مصطفى النجار، والدستور الذى أسسه محمد البرادعى، والمصرى الديموقراطى الذى أسسه الدكتور محمد أبوالغار، ومصر الحرية الذى أسسه الخبير الاستيراتيجى عمرو حمزاوى، والمؤتمر الذى أسسه عمرو موسى، والحركة الوطنية الذى أسسه أحمد شفيق، بجانب عشرات الأحزاب القديمة مثل الناصرى والتجمع والوفد والأحرار، والكرامة، وغيرها.
وتفاءل الجميع خيرًا بظهور الأحزاب الثورية، وأنها ستحرك المياه السياسية الراكدة، وتثرى العمل الحزبى فى مصر،خاصة وأن المؤسسين من القامات السياسية والثورية الكبيرة، البرادعى وعمرو موسى وصباحى وأحمد شفيق وعمرو حمزاوى، وجميعهم اعتلوا منبر النصح السياسى والرشاد ورفضوا النزول منه منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، و«لكن يا فرحة ما تمت أخذها الغراب وطار»، وتبين أن الأحزاب الثورية أسوأ وأردأ أداءً من الأحزاب القديمة، وجميعها دخلت «ثلاثة التجميد» والفشل، واكتفت فقط بإصدار بيانات منددة لأى شىء.
هكذا تحول مسار عمل الأحزاب، من إصدار صحيفة، إلى الاكتفاء بالبيانات، وأن الحزب الواحد يديره فرد وأعضاء لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك تجد رئيس الحزب، «يفرد ريشه» ويضع شروطه، ويخاطب الدولة من فوق السماء السابعة، وواهما أن بإشارة من إصبعه الأصغر يمكن أن يهدم الدنيا.
الحقيقة القاطعة أن الأحزاب فى مصر «ورقية» لا تستطيع التأثير فى «حارة أو زقاق»، مكتفية فقط بإصدار بيانات على الإنترنت وإرسالها عبر الإيميل لوسائل الإعلام، دون وجود أى حيثية لها أو أمارات فى الشارع، وجميعها سلكت طريق «التجميد والانشقاق»، معلقة فشلها على شماعة «الدولة».
ولك الله يا مصر...!!!