بصراحة فيه حاجة غلط فى طريقة تفكير عدد ليس بالقليل من المصريين، لأنها ببساطة تفكير يثير الدهشة والغيظ أحيانا، وكشف عنه قضية الرشوة الكبرى فى مجلس الدولة، وانتحار أحد المتهمين فى القضية.
فالرقابة الإدارية هى التى كشفت القضية بتفاصيلها وأطرافها، واستدعت المتهمين، وقررت حجزهم للتحقيق لمعرفة باقى أعضاء الشبكة، وعندما لا يحتمل أحدهم ويقرر الانتحار، تتدفق سيول الشكوك والتفسيرات حول الأسباب ومعظمها- إن لم يكن كلها- تشكك فى الحادثة وتشير بأصابع الاتهام إلى الدولة.
بشكل شخصى، أنا مندهش من كم هذه التفسيرات «السينمائية» على مواقع التواصل الاجتماعى وفى المنتديات العامة وفى الحوارات العادية بين الناس بشأن واقعة الانتحار.
فالدولة والقيادة السياسية أعلنت الحرب على الفساد بلا هوادة، وحققت الرقابة الإدارية ضربات قوية خلال العام الماضى، ومازالت ومع بداية العام الجديد ينتشر رجالها فى كل مكان لكشف الفاسدين والمفسدين، وأعلن الرئيس السيسى أن لا أحد فوق المحاسبة، واصطحب معه فى كل افتتاح لمشروع جديد الدكتور محمد عرفان، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وتوجيهه بالرقابة على المشروعات.
لكن يبدو أن ميراثا ثقيلا من «عدم الثقة»، فيما تقوم به الدولة من مجهودات لمحاربة الفساد، تراكم عبر أكثر من 40 عاما، وترك بصماته فى وجدان ونفوس المصريين للشك فى كل شىء.
إذا لم تحارب الدولة الفساد، هاجت الدنيا وأصبح الكلام عن الفساد المنتشر هو حديث الصباح والمساء، وإذا توفرت الإرادة السياسية لمواجهة الفساد والكشف عن القضايا، بدت لغة الشك فى النوايا، يعنى «كده مش عاجب ولا كده عاجب»، رغم أن ترتيب مصر فى مؤشر الشفافية الدولى لمكافة الفساد تقدم إلى المركز 88 بعد أن كان قبل 6 سنوات 119.
هنا نعود للسؤال الشهير فى مسرحية «القضية 68» للكاتب الكبير الراحل لطفى الخولى، التى تم عرضها فى الستينيات على المسرح القومى على لسان الفنان الرائع أحمد الجزيرى «نفتح الشباك.. ولا نقفل الشباك»، وظلت هذه الجملة هى الأشهر حتى وقتنا هذا، وصارت مثالا للتدليل على الحيرة والاندهاش والارتباك فى القرار.
وكما أطلق الفنان أحمد الجزيرى صرخته، اعتراضا على تغريم المحكمة له بعد فتحه شباكا فى بنايته بعد أن غرمته أيضا لأنه أغلقه دون تصريح: «نفتح الشباك.. ولا نقفل الشباك يا خوانا؟»، فنحن أيضا نقول للمتشككين «يا ترى الدولة تحارب الفساد.. ولا تقفل الشباك؟».