البرامج الطبية المباعة التى تذاع فى الفضائيات، أحدث طرق النصب عى الناس، وبمقتضاها يستطيع أى طبيب فاشل أن يشترى وقتا بفلوسه فى أى قناة فضائية، ويأتى بمذيعة جميلة لتقديم برنامجه، وتسبل عينيها وتصقل مكياجها وتخفض صوتها، إعجابا بغزواته الطبية التى لا يعلمها أحد سواه، ووراءه على الشاشة يافطة كبيرة بالنيون «تولع وتطفى»، مكتوب عليها اسمه وعنوان عيادته وأرقام تليفونه، ويتحول بين يوم وليلة إلى نجم تليفزيونى، يشير إليه الناس فى الشوارع وإشارات المرور، ويتهافت المرضى على عيادته، لإن الباشا دكتور بيظهر فى التليفزيون.
أطباء لم يحققوا نجاحا فى غرف العمليات ولا فى شفاء المرضى، ولم تنتشر سمعتهم الطيبة بالتداول بين الناس، وإنما الإعجاز الطبى أمام الكاميرات، ولا تكاد قناة تخلو بصورة أو أخرى من هذا الهوس، المتغطى ببالطو أبيض، فيختلط الحابل بالنابل، ويضيع فى الزحمة الأطباء المحترمون، أصحاب العلم والخبرة والمهارة والأخلاق، والذين لا يهرولون وراء الشهرة الكاذبة، ولا تجرى وراءهم مذيعات ولا كاميرات، ويقتصر ظهورهم ليتحدثوا عن نشر الوعى الطبى وليس الدعاية الشخصية، أو اكتشاف علاج جديد يفتح ابواب الشفاء، وزمان كان الناس يذهبون للطبيب صاحب السمعة الطيبة، ولا يستغل ظروفهم وأوجاعهم، ولا تكون شهرته مجرد وسيلة للكسب، وكانوا نماذج مشرفة فى الرحمة والشفقة والرفق بالإنسان.
أين نقابة الأطباء من كل هذا العبث؟ ولماذا لا تهتم إلا بالدفاع عن أخطاء الأطباء، وانصر أخاك ظالما أو مظلوما، وأين قانونها الذى يحظر ظاهرة الدعاية الإعلانية للأطباء، فتم التحايل عليه بالالتفاف والخداع، ولم يعد هناك ساذج يقول مثلا: «أنا الدكتور فلان زورونى تجدون ما يسركم من أحدث وسائل الشفاء»، ولكن تعددت صور اختراق المهنة وأخلاقياتها، وأصبح فى وسع أى طبيب أن يحول الطبيب مهنته إلى سلعة، يقوم بالترويج لها بالإعلانات المدفوعة، تحت صمت النقابة وعجزها عن تطبيق الحظر الأخلاقى الذى يحمى المرضى والمجتمع من كل صور النصب والاحتيال.
كم من مستشفيات كئيبة وأطباء بلا ضمير، استغلوا الشهرة المدفوعة فى الايقاع بالمرضى، خصوصا فى تخصصات التجميل والبشرة، التى تجد رواجا هائلا عند السيدات، ولا توجد أى معايير لتقدير قيمة الكشف أو أسعار العلاج، ويا ويل من يقع تحت أنياب مثل هؤلا البشر.