تنهال علينا يوميا مئات المقالات لكتاب الرأى سواء كانوا من الصحفيين أو المثقفين عن ما يصادف الأسر البسيطة من صعوبات معيشية، كما تنهال أيضا عشرات البرامج التى يتحدث فيها مقدميها وضيوفها بذات المنوال، يبذلون جميعهم قصارى جهدهم لتصوير ونقل معاناة الأسر البسيطة، وآلام ومأساة العيش فقيرا، والحقيقة لقد فاض الكيل من هؤلاء الذين يتاجرون بآلام الطبقات الفقيرة، فهم لا يعيشون حياة الفقراء أو يطلعون عليها بشكل كاف، والمؤكد أن غالبية من يتحدثون بلسان حال الأسر الفقيرة ليسوا منهم، ومن خرج منهم من أسرة بسيطة فقد فارق هذه الطبقة بأجره العالى وعوائد كتابته المنتظمة فى الجرائد والدوريات والظهور بالبرامج، وبالتالى فإن انتماءهم إما للطبقات المتوسطة أو الغنية.
واختصارا، فهؤلاء هم مجموعة من الطبقة المتوسطة والغنية تكتب أراء وتقدم البرامج ليصفق لهم البسطاء، وهى تعلم جيدا أن الكتابة والمناقشة لآلام الفقراء أمر مغر للغاية، فهى وسيلة للشهرة والحصول على التصفيق، وتعطيك الفرصة لتبدو بمظهر النبلاء المتواضعين الذين لم يغرهم ثراؤهم ولم ينسوا أبناء وطنهم.
إن المجتمع ينتظر من المثقفين من كتاب أعمدة الرأى ومقدمى وضيوف البرامج دورا آخر، وهو أن تقودوا الرأى العام، تُفتحون له أفقا جديدا فى التفكير فى الأزمات التى نعيشها جميعا، فالمجتمع بكافة طبقاته مسئولون ومواطنون يتوقع منكم إثراؤهم برأى مختلف وفكرة جديدة، وليس البكاء على الفقراء وأحوالهم، لا أن تكتبوا عن مشاكلهم بغرض الضغط على الدولة بغرض انتهاز فرصة سانحة لتصيّد الأخطاء لأصحاب الهوى منكم.
ومن ثم فإننا يجب أن نتوقف أمام التساؤل الأهم، وهو من المفوض بترتيب أولويات البسطاء والفقراء، ولا أعلم بأى حق انتزع كتاب الرأى ومقدمى البرامج وضيوفهم هذا الدور وأغلبيتهم ليسوا من البسطاء.
الحقيقة أن تأمل الكثير من مساحات الرأى فى الدوريات المصرية ووسائل الإعلام يجعلك تشعر أن أصحابها يتعاملون مع الفقراء باعتبارهم طيفا واحدا من البشر، وأن احتياجاتهم واحدة، ويتكلم هؤلاء عن البسطاء فقط لأنهم هم من يملكون المنبر ولديهم مساحات واسعة للتعبير عن أرائهم.
والواقع الأليم أن هؤلاء يغرقوننا ويغرقون وطننا فى كم من التفاهات والنحيب، فلا يستفيد القارئ أو المشاهد أو الوطن الذى لا يترددون لحظة فى الهروب منه حين يتعرض للخطر وتسنح الفرصة، بدلا من البقاء لمواجهة مشكلاته. هى دعوة إلى توفير ما يتم إهداره من وقت وجهد حول سلبيات نعيها جميعا لتقديم هذا الوقت لصالح الوطن.
إن مجرد لحظات تأمل للكثير من فئات المجتمع فى حراكها المختلف فإننا نجد أن مجمل البسطاء من الشعب المصرى لديهم وعى سياسى واجتماعى واقتصادى وحصافة حقيقية دون تلوين، وربما تغيب هذه المفردات عن بعض كتابنا ومثقفينا، وبناء على ذلك وعلى الرغم من أن الكل ينتابه حالة من حالات الضيق والقلق إلا أن السواد الأعظم من الشعب المصرى يعى جيدا أن جمهورية مصر العربية تمر بمرحلة حساسة وعصيبة، ويراهن المصريون على حدسهم الذى ما خاب يوما، وظل يبهر العالم ويتجاوز أخطاءه سريعا، وليس أدل على ذلك سوى الخروج العظيم للشعب المصرى بأكمله فى 30 يونيو لتصحيح مسار المستقبل وإنقاذ الوطن من براثن من يقتلون أبناءه بدم بارد .
إنها دعوة لكل كتاب المقالات والأعمدة ومقدمى وضيوف البرامج إلى التفكير مرات ومرات لعدم استغلال أحلام وطموحات البسطاء، فجميعنا نعلم علم اليقين بأن البعض من متصدرى المشهد لا يملكون المعلومات ولا يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق أو البحث أو التواصل مع أى طرف آخر حتى مع من يتحدثوا باسمهم، وينساق الغالبية لمجرد البحث عن اللقطة الإعلامية، وكيف ستحشد اللقطة التصفيق والتهليل، وليس مهما أن يقدم ما نكتبه أو نقدمه أو نتحدث عنه حلولا لتلك الأزمات.
ختاما فإذا كانت لدينا فرصة للتعبير عن أرائنا فى مختلف وسائل الإعلام وهى فرصة لم تتح لغيرنا، فلنكن طاقة خير وأمل ولا نزيد من إشاعة الإحباط والذعر، لنفتح جميعا مساحات لكل من له رأى وفكر جديد قد يساعد فى حل مشكلة واحدة من المشكلات التى تعانى منها الدولة.