كهف أفلاطون، هو نموذج حى لكل من يعتقد أنه يمتلك الحقيقة ويعيشها، فكل إنسان يعيش فى كهف، ويعتقد أن ما يراه ويسمعه هو الحقيقة، وما يفعله هو الصواب. فكما شرح أفلاطون فى غابر الزمان أن كل إنسان يقبع فى كهفه ولا يريد الخروج منه لمواجهة الحقيقة لأن ذلك من شأنه أن يجعله يواجه الحقيقة، ويتخلص من قيوده التى تربطه بالكهف، وكذلك ستجعله يدرك الحقيقة المرة الطعم أن كل ما بنى عليه تصوراته واعتقاداته ومعرفته بالأشياء كان وهمًا وخيالًا سببه سجنه داخل الكهف، وهذا ما لا تريده الأغلبية من الهاربين أو القابعين فى كهوفهم، وإذا حدث وأتى شخص ما محاولًا إخراجهم من هذا الكهف وتخليصهم من قيود الوهم سيواجهونه بالشك والريبة وقد يتهمونه بالجنون وقد يحاولون قتله لأنه بكل بساطة مخالف لهم ويريهم الحقيقة التى لم يروها ويتغاضون عنها.
هناك دائمًا مجموعات من الناس لا تريد أن تعرف الحقيقة، وتفضل العيش فى الوهم بدل إدراكها وعندما تقابل من يريد أن ينير طريقهم يشكون فى مساعيه.
وقد زاد أفلاطون فى نظريته نصيحته الأخيرة، حين قال «لو لم نخرج من هذا الكهف المظلم ونتخلص من القيود والأغلال التى تلفنا وربما تكون فى الغالب مجرد خيالات، فإننا لن ندرك الحقيقة أبدًا التى ستجعلنا نسلك الطريق الصحيح لنبدع ونخلق أفكارًا جديدة تيسر حياتنا وتغيرها للأفضل».
تلك هى ملخص أسطورة الكهف التى بنى عليها أفلاطون نظريته فى تفسيره لكثير من مسالك البشر، وجهالتهم واستمرارهم بل واستمرائهم للوهم والجهالة.
أفلاطون صاحب المدينة الفاضلة وأبو الفلسفة، مالنا به، ونحن نكاد نكون فى آخر الزمان، وهو كان من أول الزمان، على الأقل الذى نعرفه.
لا شىء تغير، فكثير من البشر الذين يحيون حولنا ومعنا هم من أهل الكهوف.
فهل عسلية قاتل بائع الخمر، إلا واحد منهم، وهل شيخه الذى سحبه معه إلى نفس الكهف هو الآخر واحد منهم.
وعشرات بل مئات وآلاف ممن ينتظرون عودة مرسى للحكم، ويظنون أن الإخوان جماعة طيبة ترغب فى تطبيق الإسلام، أليس هؤلاء سجناء الكهوف.
كل منا قد يكون له كهف يلوذ به أحيانا لينعم بالوهم، ولكن العقلاء فقط هم من يخرجون من كهوفهم لينعموا بشمس الحقيقة، ويعلموا جيدا أن دخولهم الكهوف وحياتهم داخلها ما هى إلا وهم.
وكم من أوهام نعيشها ! وإذا كان أهل الكهف فى القرآن هم هؤلاء الذين لاذوا بدينهم وهربوا بالحقيقة من أهل الضلال، فإن فى عصرنا الحالى تبادلنا الأدوار وصار أهل الضلال هم الذين يحيون فى كهوفهم، وينادون على كل عاقل ليلحق بهم، اللهم نجنا من الكهوف وأهلها، وكل سنة ومصر طيبة.