يبدى البعض دهشة من حجم التسريبات التى أصبحت تحكم السياسة فى الدول الكبرى، ومنها أمريكا التى سمحت بالتسريبات والتجسس والاختراقات، طالما كانت لصالحها، وظفتها ضد صدام بتسريبات مشكوك فيها، وداخليًا كانت « ووتر جيت» وتسريبات مونيكا لوينسكى ضد كلينتون. ويختفى الجانب الأخلاقى بعد تحقيق الطرف المنتصر لغايته.
من هنا يمكن النظر إلى الحرب الدائرة اليوم، بين ترامب وباراك أوباما وبوتين، والتى تدور على نفس أرضية حرب المعلومات والتسريبات. والتى بلغت ذروتها، بقرار أوباما طرد دبلوماسيين روس من أمريكا بتهمة التجسس، واتهام الروس بالقرصنة على معلومات سرية تتعلق بالحزب الديموقراطى. أوباما استند إلى تقارير المخابرات الأمريكية. لكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب، رفض اتهامات أوباما، وقلل من قيمة تقارير المخابرات. وهى المرة الأولى التى يختلف الرئيس المنتخب مع الرئيس المنتهية ولايتها علنًا.
الاتهامات الأمريكية للروس لم تحدث منذ نهاية الحرب الباردة فى بداية التسعينيات، بينما لم تخل الصراعات السياسية من تسريبات وتنصت وتجسس وفضح أسرار. وباراك أوباما أكثر رئيس شهد عصره تسريبات تصل إلى حد الفضائح. أشهرهم إدوارد سنودن التقنى والموظف السابق بوكالة المخابرات المركزية، والذى سرب عام 2013 تفاصيل برنامج التجسس بريسم، كاشفًا عن أكبر عملية تنصت وتجسس للولايات المتحدة، ليس فقط على خصومها، بل أيضًا على حلفائها. الكشف عن التسريبات دفع جمهوريين لاعتبار الأمر ضعفًا فى إدارة أوباما، واختراقًا لأنظمة الاستخبارات، وتراجع أمريكا، أمام استغلال روسيا. ولم تكن الانتقادات بسبب التجسس، لكن بسبب الكشف عنه، حيث يعتبر الأمريكيون، من نقاط قوة بلادهم هو التفوق الاستخبارى. وينقلب الأمرعندما يكون التجسس ضدهم، وهو ما يحدث اليوم، كان برنامج «بريسم»، موجه ضد حلفاء أمريكا وخصومها، لكن الشك فى وجود اختراقات روسية تحول لاتهامات علنية لروسيا.أى أنه مسموح به ضد الآخرين، ممنوع ضدهم.
وقد سعت أمريكا قبل شهور لتوظيف تسريبات بنما ضد روسيا وبوتين، لكن ويكيليكس غطت على تسريبات بنما بنشر تسريبات البريد الإلكترونى للديموقراطيين، والعلاقات المالية والأمنية لهيلارى كلينتون.
عندما ظهرت ويكيليكس على يد جوليان اسانج، 2006، لم يعترض الأمريكيون، لكن العداء بدأ مع نشر ويكيليكس وثائق عن قتل المدنيين فى أفغانستان والعراق، أكثر من 76 ألف وثيقة حول الحرب فى أفغانستان و400 ألف من سجلات حرب العراق. وهنا بدأت المطاردات.
الأمر ليس بتجريم التنصت والتسريب، لكن التجريم عندما تعلق الأمر بمصالح الحزب الديموقراطى، أو الأمريكيين. وهم يعملون بمبدأ ميكافيلى الشهير «الغاية تبرر الوسيلة» وهى هنا «التسريبات».