هذه حالة من حالات إهدار الوطن كله وليس ثروات الوطن فحسب، وتخيل معى كم الحالات المشابهة لهذه الحالة العبثية.. كم كنزا يهدر لأن القائمين عليه لا يريدون أن يتقدموا، كم مليونا يهدر فى كل يوم ونحن فى أمس الحاجة إليه؟ كم من أزمة تتفاقم فى حين أن حل عشرات المشكلات أمامنا ونحن عنه غافلون!
30 فدانا فى أحد أهم وأرقى ميادين مصر، 126 ألف متر فى قلب قلب العاصمة، على بعد خطوات قليلة تقام جاليرهات فنية تتكلف ملايين الجنيهات وتدر ملايين الجنيهات أيضا، وتقام مطاعم ومدارس وأندية، لكن هذه البقعة الساحرة لا تدر إلا بضعة جنيهات قليلة نحو 200 جنيه شهرياً لا تأتى حتى بعشر راتب من يحرسها، 30 فدانا «بحالها» لا يقام فيها شىء سوى الفراغ، ولا يستفيد بها أحد سوى الرياح، 30 فدانا يقف المتحف الزراعى فى منتصف هذه المساحة الشاسعة تعلوه الأتربة وتشوه زخارفه البديعة، يكاد يئن من تلك الحالة المزرية التى وصل إليها، تقريبا لا يزوره أحد، ولا يجتهد من يعملون فيه فى التسويق له أو طرح الأفكار المختلفة لتطويره وتنميته، برغم أنه يقع فى إحدى البقاع السحرية فى مصر، ويتميز برحابة واتساع يكفيان لاستيعاب العديد من الخدمات التى من الممكن أن تسهم فى زيادة جاذبيته، لكن للأسف هذا جزء من الوطن المهدر لا يفكر أحد فى وقف نزيفه.
30 فدانا، من الممكن يتم استغلال فدان واحد منها لإنشاء متحف الفنون الأفريقية الذى ناديت بإنشائه عشرات المرات، ومن الممكن أن يتم استغلال جزء آخر لعمل أكبر مكتبة زراعية فى مصر، واستغلال جزء ثالث لعمل قاعة مؤتمرات «محترمة» تستغلها الحكومة فى استقبال ضيوفها وتعريفهم «بالمرة» على تاريخ مصر الزراعى الممتد، ومن الممكن أن يتم فيها إحياء المعرض الزراعى الصناعى الذى أقامته مصر منذ ما يقرب من مائة عام ليأتى إلينا بكل جديد فى الصناعة والزراعة، ومن الممكن أيضا أن نستغلها فى عمل منطقة خدمات ترفيهية تربط هذا المتحف العريق بالجمهور ربطا مباشرا، ومن الممكن أن يتم استغلالها بعمل منطقة أطفال ليتعلموا فيها مبادئ الزراعة ويمارسوا فيها هواية التشجير بدلا من تركهم يلعبون فى الطين دون طائل، عشرات الاقتراحات، وعشرات الأفكار، وجميع النتائج مضمونة، لكننا نطيح بكل هذه الإمكانيات مقابل توطين العناكب والاحتفاء بالتراب وتقديس الغبار الساكن فى العقول والأبدان والحوائط والحدائق.