أأنا حلوة؟
وأيقظ أنثى فى عروقى..
وشق للنور كوة
هكذا قال «نزار قبانى» فى إحدى قصائده على لسان حبيبته، وهكذا دون قصد شرح باستفاضة موجزة أثر القصيدة فى الإنسان، أثر الشعر فى الوجدان، أثر الكلمة العميقة فى الأرواح الحبلى بالحياة والسؤال والاستكشاف، «أيقظ أنثى فى داخلى وشق للنور كوة»، هذا هو الشعر ورب الكعبة، مؤذن الإنسانية فى نفوس الآدميين، هو «المنبه» الذى تعطل فجأة، فلم نعد نشعر بما نشعر، أو نرى ما نرى، أو نعيش ما نعيش، هو كوة النور التى أطفأها الغبار فلم نميز بين الشر والخير، الحب والكراهية، القبح والجمال، الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، غاب الشعر فسكنت أرواحنا نصوص الموات، غابت الكلمة التى نستطعمها فى أفواهنا فنقصت خبراتنا يوما بعد يوم.
تكادُ يدى تندى إذا ما لمستها
ويَنبتَ فى أطرافها الورَقُ الخُضْرُ
يصرخ النقاد، نحن نعيش فى أزمة شعر، يصرخ المبدعون، أزمة الشعر تقتلنا، يصرخ الشعراء، الشعر يموت، والحقيقة أننا لا نعيش فى أزمة شعر بل نعيش فى أزمة فهم، أزمة إنسان، نحرم أنفسنا من الخيال، فتعجف عقولنا، تصير أكذوبة، تفتقد الحرارة اللازمة لتعكس مؤشراتها الحيوية، نصاب بهبوط فى الدورة الحياتية، نمنع أنفسنا من قراءة تأملات الشاعر الذى عكف على النظر إلى الحياة بعين عالمة، لا نشعر بنداوة يده وهى تتشرب يد الحبيبة، لا نرى الأوراق الخضراء وهى تنبت فى روحه قبل يده، لا نتذوق ثمرة الشعر الناضجة، بعدما أعدها لنا الشاعر، نرفس أطيب الموائد بأرجلنا، ونشتكى من المجاعة.
سَـلوا مَـضجَع عَـنّى وَعَنها فَإِنَّنا..
رَضينا بِما يُخبِرنَ عَنّا المَضاجِع..
يوقظ الشعر فى الإنسان إنسانا، يوقظ فى الأنثى نعومتها، انسيابيتها، رقتها، شراستها، شبقها للحياة، شهوتها للخلق، يوقظ فى الرجل فروسيته، نزقه، طفولته، تهوره، حكمته، هو القلب الذى يضخ الحياة فى الحياة، هو الروح التى يستعيرها الواحد من الكون فيصيرا واحدا، هو الرقى فى الكلمة، هو اللسان والعقل معا، تقف أمام الواحد فيقول لك أننى أعجز عن التعبير، لا لشىء لسوى أنه عجز عن قراءة الشعر وفهمه، ينعش حواسنا الشعر، يثرى أعيننا الشعر، يجعلنا نرى بالأذن أحيانا، ونسمع بالقلب أحيانا، ونشعر بالنظر أحيانا، فلماذا نحرم أنفسنا من أنفسنا؟ ولماذا نغفل عن الشعر فنسلم أرواحنا للبوار؟