لم يجعل مسؤولو الحكومة، ورجال الأعمال، أمامنا سبيلًا آخر، سوى التكاتف الشعبى للمرور من الأزمات، هم دفعونا إليه دفعًا، ورغم أنه فى حد ذاته فضيلة وثقافة يجب أن تسود المجتمع، لكنه بالنسبة لنا أمر تجاوز فكرة الاختيار والرفاهية، وأصبحنا إما أن نكون على قلب رجل واحد أو نهلك جميعًا، لذا فإن المبادرات، خاصة المتعلقة بالدواء، مثل «بدل ما ترميه اتبرع بيه»، تستحق الإشادة والتبنى والاحتذاء.
نشرت «انفراد»، أمس، تقريرًا عن أعضاء نموذج المحاكاة بمدينة سفاجا، التابعة لمحافظة البحر الأحمر، والبالغ عددهم 21 شابًا أطلقوا مبادرة لجمع الأدوية من المنازل التى لا يحتاج لها المواطنون، تحت عنوان، «بدل ما ترميه اتبرع بيه»، وتحدثوا عن البدايات الطيبة للمبادرة والتجاوب الذى حدث معهم حتى الآن، هؤلاء الشباب تنبهوا للأزمة الحالية التى سنعانى منها بشكل كبير مع مرور الوقت، وحاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ففى الفترة الأخيرة، تضاعف سعر الدواء، بينما الأجور والرواتب لم يحدث فيها جديد، والمرض، طبعًا، يصيب الجميع لكنه يعرف جيدًا أن يسكن الفقراء، يحبهم ولا يحبونه، يفرض ذاته على كل جسدهم ويمتص دمهم، ويمتص قوتهم وقوت أولادهم، لا تخلو بيوت المصريين وعلى الأخص البسطاء منهم من أنواع الأدوية المختلفة، وكلها ضرورية لا يستطيعون الاستغناء عنها، معظمهم مصابون بأمراض مزمنة لكن لا أحد يهتم، أو يسأل نفسه كيف نساعد غير القادرين على توفير أدويتهم.
بالطبع نشكر شباب سفاجا على هذه الفكرة، ونتمنى أن تسود فى كل محافظات مصر ومراكزها وقراها، وعلينا أن ندرك تمامًا أن هناك بيوتًا كثيرة ليس لها دخل أصلًا لم ترحمها الحكومة، ولم يرحمها المرض، ولم يعد أمامهم سوى الحلول الاجتماعية والمبادرات الشعبية، التى لا قدر الله إن تخلت عنهم، سقطنا فى أزمة كبرى لا نعرف نهايتها، لذا على رجال الدين فى المساجد والكنائس والمنتديات كافة، السياسية والمجتمعية والإعلامية إلقاء الضوء على مثل هذه المبادرات.
وفى النهاية، نقول إن الجميع وفى كل المجالات ليس فى مجال الأدوية فقط فى حاجة إلى أن يتذكروا منذ 6 سنوات تقريبًا، عندما اندلعت الثورة المصرية فى 25 يناير 2011، وخرج الكل ليحموا بيوتهم وشوارعهم، ويستحضروا جيدًا الحالة الشعبية التى كانت مسيطرة فى تلك الفترة، كذلك أن يبعثوا فى داخلهم ما حدث فى الـ18 يومًا فى التحرير من تكاتف ومؤاخاة، لأننا إن لم نبعث تلك الروح الواحدة مرة ثانية فلن ينجو أحد.