بكى القاضى الجليل المستشار أحمد الشاذلى، رئيس دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا فى غرفة المداولة- كما شاهده بعض المحامين- عقب إصداره حكمه التاريخى برفض الطعن المقدم من الحكومة، وتأييد الحكم الصادر ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، ومصرية جزيرتى تيرانا وصنافير.
القاضى أصدر حكما سوف يتصدر قائمة الأحكام التاريخية المشرفة والمضيئة للقضاء المصرى الشامخ ولقضاة مصر العظام الأجلاء، رغم كل محاولات التشويش وعدم الثقة والتربص من بعض الأطراف بالقضاء، الذى لم يخيب طوال تاريخه حسن ظن المصريين به وبأنه ملاذ وحصن للدفاع عن الحقوق والحريات وعن الأرض والعرض.
الحكم الذى صدر هو عنوان الحقيقة، والأحكام التى أصدرها القضاء المصرى لم يخالفها أحد واحترمها الجميع من منطلق دولة المؤسسات، فالدولة المصرية لم تخالف حكما قضائيا صغيرا أو كبيرا، والتزمت به وبتنفيذه تقديرا واحتراما لمؤسسة القضاء، فى عز سطوة السادات صدر حكم بتبرئة الذين اتهمهم الرئيس الراحل بأنهم «شوية حرامية» ويسعون لقلب نظام الحكم فى انتفاضة 18 و19 يناير من محكمة أمن الدولة العليا، برئاسة المستشار الجليل حكيم منير صليب، وفى عام 86 أقر القضاء بحق العمال فى الإضراب ضد رغبة الدولة فى عهد مبارك.
وللإنصاف لم يتغول نظام الحكم على القضاء والتزم بأحكامه، وهكذا اعتدنا من دولة المؤسسات.
يقينى أن الدولة المصرية وهى تسعى لتأكيد ما جاء فى الدستور، وما رسخ عبر تاريخها ستواصل احترامها للقضاء وأحكامه، ولحكم المحكمة الإدارية العليا، مهما كانت التداعيات، حتى تؤكد أن مصر هى دولة المؤسسات، وأنها دولة عريقة لها مداميك فى نظام الحكم، وشكل الدولة لا تحيد عنها طوال تاريخها القديم والحديث والمعاصر.
ويبقى السؤال الآن وهو: هل تلجأ الحكومة إلى مرحلة المحكمة الدستورية، وهل يناقش البرلمان القضية بعد صدور الحكم؟
علينا أن نقرأ حيثيات الحكم بمصرية الجزيرتين بعناية ودقة، حتى يتعلم الجميع درس القضاء ومنها،«أن الحكومة لم تقدم أى وثيقة تغير عقيدة المحكمة بشأن مصرية الجزيرتين، وأن الدستور يحدد سلطات الدولة دون تغول من سلطة على أخرى، وأن تراب الوطن مملوك للشعب المصرى بأجياله، وليس ملكًا لسلطة من سلطات الدولة، وأن على هذه السلطات أن تمتنع عن التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة».
تحية لقضاء مصر العظيم .. حصن العدالة وملاذ المدافعين عن حقوق الوطن والمواطنين.