يجب حل وتسريح أعضاءهيئة قضايا الدولة بعد فشلهم الذريع فى الدفاع عن الحكومة
هناك بحث أعده الدكتور مقنى بن عمار، الجزائرى الجنسية، والمحاضر فى كلية الحقوق بجامعة ابن خلدون الجزائرية، بعنوان «أعمال السيادة كاستثناء عن اختصاص القضاء»، وذلك عام 2013، قال فيه نصًا: «الأصل أن القضاء يختص بنظر كل المنازعات التى يمكن أن تنشأ فى المجتمع، أيًا كان سببها وأطرافها وموضوعها، إلا أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، حيث توجد قضايا تكون بمعـزل عن رقابة القضاء، وهى ما يعبر عنها بأعمال السيادة أو أعمال الحكومة، وهى على كلٍ مختلفـة عن الأعمال الإدارية، وتحكمها اعتبارات أكثر منها قانونية».
الدكتور مقنى بن عمار، قال أيضًا فى بحثه: «نظرية أعمال السيادة شأنها فى ذلك شأن معظم نظريات القانون الإدارى، هى من صنع القضاء، وبالذات مجلس الدولة الفرنسى، وكانت وليدة الحاجة ومقتضيات العمل، حيث يكون لبعض الأعمال التى تقوم بها الدولة أهمية خاصة، فإنه من مصلحة الوطن ألا تعرض مثل هذه القضايا على القضاء، كما أنه قد لا يكون من مصلحة الحكومة عرضها على الجمهور».
ووضع الدكتور «مقنى»، تعريفًا واضحًا لأعمال السيادة، حيث قال نصًا: «إن أعمال السيادة أو أعمال الحكومة هى طائفة من الأعمال التى تباشرها سلطة الحكم فى الدول، من أجل الحفاظ على كيان الدولة من أرض وشعب وسلطة، بمواجهة أخطار خارجية أو مواجهات داخلية عامة، كتنظيم سلطات الدولة وتحديد نظام الحكم، والعلاقة بين السلطات، وأول ظهور لفكرة أعمال السيادة كان فى فرنسا فى يوليو 1830، إذ كان أول حكم طبق هذه الفكرة هو قرار المجلس الفرنسى الصادر فى مايو 1822، ثم تطورت هذه الفكرة إلى أن أصبحت تشمل عدة ميادين تحكمها معايير غير قارة».
ومن المعروف أن القانون الجزائرى مستوحى من القانون الفرنسى مثل مصر بالضبط، ولذلك عندما تأتى دراسة موثقة من محاضر فى القانون فى دولة أخرى، فالأمر يستلزم الوقوف كثيرًا أمامها، بالفحص والتدقيق.
وأمس، قضت المحكمة الإدارية العليا، برفض الطعن المقام من هيئة قضايا الدولة، ممثلة عن رئاسة الجمهورية والحكومة، وتأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة «القضاء الإدارى»، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتى بموجبها كانت جزيرتا تيران وصنافير ستنتقل إلى السعودية، إذا أسقطنا هذا الحكم على ما جاء من تعريف لأعمال السيادة فى البحث الذى أعده المحاضر القانونى الجزائرى، فستكتشف أن هناك تعارضًا وتقاطعًا وصدامًا بين السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وصراعًا خفيًا بينهم يدور خلف الكواليس، فى محاولة كل منهم انتزاع سلطات جديدة دون الوضع فى الاعتبار لأعمال السيادة، أيضًا الذى ورد فى الدستور المصرى.
المادة 5 من الدستور المصرى الحالى، تحدد الفصل بين السلطات والتوازن بينها، كما أن المادة 17 من قانون السلطة القضائية تقول نصًا: «ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة وغير مباشرة فى أعمال السيادة ولها دون أن تؤول الأمر الإدارى، أو توقف تنفيذه أن تفصل فى المنازعات المدنية والتجارية التى تقع بين الأفراد والحكومة أو الهيئات العامة «عقار أو منقول»، عدا الحالات التى ينص فيها القانون على غير ذلك.
أما المادة 11 من قانون مجلس الدولة تقول نصًا: «لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة».
إذن ومن خلال هذا السرد المبسط لمفهوم أعمال السيادة، والفصل بين السلطات، فإن حكم الإدارية العليا فى قضية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، سيثير أزمة سياسية ويدشن لصدام السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية.
والسؤال المحورى، ما هو موقف الحكومة والبرلمان والمحكمة الدستورية التى تنظر القضية أيضًا، بجانب مجلس الدولة؟ هذا السؤال خطير ويحتاج إلى إجابة «سياسية».
ويبقى أمر مهم، أن هيئة قضايا الدولة سطرت فشلًا مدهشًا فى الدفاع عن موقف الحكومة، ولم تستطِع مواجهة محامٍ واحد بمفرده، ويجب حل وتسريح أعضاء هذه الهيئة فورًا.. ولكِ الله يا مصر!